لم تبق غير أيام معدودة أمام الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، كى يحسم أمر «المتاهة» التي يعيشها النظام السياسي الإسرائيلي منذ إجراء الانتخابات الرابعة خلال أقل من عامين في الثالث والعشرين من آذار الفائت، وهي المتاهة التي تتكشف يوماً بعد يوم، بسبب عجز رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو عن تشكيل الحكومة.
فالتكليف الممنوح لشخص نتنياهو مدته 28 يوماً بدأت يوم السادس من نيسان الجاري، وإذا أخفق خلال هذه المدة التي ستكتمل يوم الأحد المقبل فيمكنه مطالبة رئيس الدولة بالتمديد له لمدة أسبوعين، وإذا استمر الإخفاق سيكون الرئيس مضطراً لتكليف مرشح آخر غيره، أو يطلب من البرلمان اختيار آخر، وإذا استمر الإخفاق ستكون الانتخابات الخامسة هي الحل بكل ما تعنيه من تأكيدات بأن الأزمة السياسية التي تعيشها «إسرائيل» لم تعد مجرد أزمة حكومية، ولكنها تعدت ذلك بكثير، وأضحت أزمة تعني النظام السياسي الذي يتجه اندفاعاً نحو آفاق مسدودة في أوقات عصيبة مفعمة بإدراكات متفاقمة بكثافة التهديدات الداخلية والخارجية والتي ستفرض حتماً الاضطرار إلى مواجهة حقائق الواقع وتعقيدات المستقبل.
ويمكننا تحديد ثلاث حقائق بارزة تفاقم من تلك التعقيدات، أولها عجز الطبقة السياسية الحاكمة عن التوافق اللازم لإدارة الدولة، وثانيها جمود النظام السياسي ودخوله مرحلة فارقة قد تضطره إلى القبول بما لا يمكن القبول به، وهو التحالف مع طرف عربي- فلسطيني كشريك في الحكم وسط حالة غير مسبوقة من التطرف تنكر كل حقوق للشعب الفلسطيني وتدفع لفرض «قانون القومية» الذي يجعل فلسطين كلها من النهر إلى البحر دولة خالصة للشعب اليهودي دون غيره. أما الحقيقة الثالثة فهي الانقسام حول مواجهة التحديات، وفي مقدمتها العلاقة مع الولايات المتحدة بسبب أزمة البرنامج النووي الإيراني.
ففي الوقت الذي نشرت فيه صحيفة «جيروزاليم بوست» أن المدعي العام في إسرائيل، أفيخاى ماندلبليت، اقترب أكثر من أي وقت مضى لإعلان رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو «غير مؤهل» لمواصلة قيادة البلاد بسبب قضايا الفساد العام والرشوة، فإن نتنياهو مُني مساء الاثنين (19-4-2021) بانتكاسة انتخابية صادمة داخل الكنيست بفشله في التمكن من انتخاب اللجنة المنظمة لعمل الكنيست على النحو الذي يريده، والذي يمكنه وحزبه «الليكود» من فرض السيطرة الكاملة على الكنيست، حيث إن هذه اللجنة هي أهم لجان الكنيست، فهي المسؤولة عن تنظيم العمل، ووضع جداول البحث، وإقرار اللجان المستعجلة، مثل لجنة الخارجية والأمن ولجنة المالية، وهي التي تحدد عدد ممثلي الكتل البرلمانية في كل لجنة من لجان الكنيست، وتعيين نواب رئيس الكنيست، وتحديد المواضيع والقوانين الأساسية التي ستطرح للمداولات وتحديد الأنشطة البرلمانية.
كان نتنياهو قد حسم أمر التحالف مع «الحركة الإسلامية الجنوبية» (القائمة العربية الموحدة) التي تمثل الحركة الإسلامية الجنوبية بزعامة منصور عباس، بعد أن اتفق مع حلفائه في تكتل اليمين على ذلك وضمن أغلبية 63 عضواً داخل الكنيست من إجمالي 120 عضواً.
ودخل نتنياهو بهذه الأغلبية اختيار تشكيل اللجنة المنظمة لعمل الكنيست لكن عند التصويت لم يحصل تكتل اليمين إلا على 58 صوتاً فقط مقابل 60 عضواً معارضاً، وهنا تقدمت كتلة «معسكر التغيير» التي يقودها «مائير لبيد» زعيم حزب «يش عتيد»، بمقترحها لتشكيل تلك اللجنة للتصويت، وهنا تجددت صدمة نتنياهو بفوز «معسكر التغيير» بتشكيل اللجنة، وكانت كلمة السر في التصويتين هي الكتلة الإسلامية التي لم تصوت إلى جانب نتنياهو وصوتت لصالح منافسه مائير لبيد.
صدمة نتنياهو هذه وضعته أمام طريق مسدود حفزت منافسه داخل تحالف اليمين نفتالي بينيت زعيم حزب «يمينا» إلى التحرك لتشكيل كتلة يمينية بزعامته تحظى بتأمين تكليفه من جانب رئيس الدولة بتشكيل الحكومة بدلاً من نتنياهو، وذلك من خلال تجنب التحالف مع الكتلة الإسلامية بنوابها الأربعة، والسعي الدؤوب لاستعادة القيادي الليكودي السابق جدعون ساعر زعيم حزب «أمل جديد» لصفوف اليمين، وإعلان استعداده لتزعم حكومة وحدة وطنية بعد أن أدرك أن بنيامين نتنياهو «ليست لديه نية لاختيار بديل لتشكيل حكومة يمينية»، الأمر الذي رفضه نتنياهو بشدة واندفع لمهاجمة نفتالي بينيت واتهمه بأنه «يريد أن يكون رئيساً للوزراء بسبعة مقاعد فقط لحزبه»، وطرح بديلاً لذلك فكرة جديدة لتأمين استمراره رئيساً للحكومة، وهي انتخاب رئيس الحكومة انتخاباً مباشراً، ودون حاجة، لحل الحكومة واللجوء إلى انتخابات عامة خامسة.
هذا الطريق المسدود بما يعكسه من عجز سياسي، لا ينافسه غير الجمود الذي يتهدد مستقبل النظام السياسي. هذا الجمود له وجهان أولهما أنه على الرغم من إجراء أربع انتخابات عامة خلال عامين إلا أن هذه الانتخابات لم تقدم لإسرائيل حزباً أو تكتلاً قادراً على القيادة وتشكيل الحكومة، وثانيهما الاضطرار إلى ما يمكن اعتباره «ابتلاع السم» بالتحالف مع شريك عربي لحل أزمة تشكيل الحكومة بكل ما يعنيه ذلك من إفلاس للطبقة الحاكمة، الذي يعبر عن نفسه حالياً بالانقسامات المتتالية حول التحديات الخارجية وسبل مواجهتها.