بعد الولادة ينطلق قطار الحياة مُسرعاً، وفي كل محطة يُصادف الإنسان أشخاصاً يتأثر ويؤثر بهم، ويتعرف على ثقافات ويُنمي مهارات ويكتسب خبرات ويصقلها، أيًا كانت البؤرة الجغرافية حتمًا فيها نجاحات وإخفاقات، هكذا هي الحياة بدورتها الطبيعية.
"سائد إبراهيم النجار" شاب فلسطيني من قطاع غزة بدأ يشق غمار الطريق منذ ولادته في مخيم المغازي عام 1999م، بأنامل لامعة وعقل متفتح، سعى جاهدًا كغيره من الشباب الفلسطيني للهروب من الوقوع في وحل البطالة والالتحاق في ركب الناجحين وصولًا للعالمية، فنجده منذ نعومة أظافره يحب عالم التكنولوجيا.
علم وعمل
سائد المقيم الآن في دولة الإمارات العربية المتحدة، قبل الوصول لمحطة الدراسة الجامعية عمل في محل لبيع الملابس بغزّة مقابل أجرة يومية بلغت "3$" أيّ ما لا يصل إلى الحد الأدنى لأجور العمال، وما أجبره على ذلك هو الواقع المعيشي الصعب الذي يُعاني منه قطاع غزّة بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض منذ حوالي 14 عامًا.
وصل سائد إلى محطة الدراسة الجامعية وتلبيةً لرغبته وحبه للتكنولوجيا قرر دراسة تخصص "وسائط متعددة ورسوم متحركة" في كلية فلسطين التقنية، وتخرج بمعدل امتياز، ونتيجةً لتفوقه حصل على فرصة تدريب في أروقة الكلية لمدة عامين، وحصل أيضًا على منحة دراسية كاملة ما نجاه من تحمل عبء الرسوم الجامعية.
خلال ذلك، بدأ البحث عن فرص عمل مع مؤسسات محلية في مجال تصميم الجرافيك والتصوير الفوتغرافي وحصل على فرص منها كانت في المؤسسات الخيرية، لكنه وجد الأمر غير مجدياً فبدأ باستغلال خبراته ومهاراته في عالم "العمل الحر" وبالفعل حصل على عدة وظائف عن بعد لا سيما في الوسط الخليجي.
أعمالك تصنع اسمك
يقول الشاب النجار خلال حديثه لوكالة "خبر": "أنا شخصاً أُفضل أنّ أكون صاحب عمل، لكن هناك قاعدة تقول (اشتغل وقت الوظيفة وبعدها أسس مشروعك الخاص)، وأعمل الآن كمطور علامات تجارية ومختص في إعداد وإدارة المحتوى الرقمي، حيث كنت جزءًا من شركات ومؤسسات منها في سلطنة عمان والسعودية وصنعت اسمي من خلال أعمالي".
ويُضيف: "كل ذلك كان من خلال العمل عن بعد، وأسعى لتنمية مواهبي أكثر من خلال استغلال اليوتيوب والتعمق في قصص النجاح، وأحاول تطوير نفسي ومؤمن بأنّه لا يوجد شيء مستحيل".
وخلال تواجده في قطاع غزّة حصل على عروض عمل في الخارج واختار الإمارات وجهةً له، وبدعم من الأهل يكون قد وصل محطة جديدة في حياته، ويتابع النجار حدثه: "أنا الآن في مرحلة سأصبح فيها إداريًا للشركة التي أعمل بها في الإمارات".
غربة ممتعة وشيقة
وتحدث عن تجربته في السفر، فقال: "ممتعة ومغامرة شيقة تكتشف من خلالها العالم وتتعرف على الثقافات، الآن معي إقامة إمارتية أستطيع من خلالها دخول أي بلد"، مُستدركًا: "الإمارات فيها الحضارة وفيها شعب راقٍ يبدع وأعطاني التحفيز".
وتطرق إلى مواقف طريفة وأخرى حزينة في الغربة، بالقول: "أكثر موقف بكيت فيه عندما فقدت الوعي في العمل ونقلني الإسعاف وكنت وحيداً، ووجدت نفسي على فراش العناية المكثفة، ومن المواقف المضحكة حينما أقول لشخص لا تقلق (تقلقش) باللهجة الفلسطينية وأبدأ بشرح معناها".
ويُكمل: "أنا من عائلة لا أستطيع العيش بدونها وأثناء الاتصال على والدتي نجهش بالبكاء، وتتكون عائلتي من أب وأم و6 أبناء وبنت وخطيبتي، وقريباً سألتقي خطيبتي بالإمارات وأفتح مشروعاً لأشقائي في غزّة".
سائد النجار الذي عمل في تطوير العلامات التجارية والهوية البصرية والاستشارات والتسويق الرقمي، وضع هدفًا نصب عينيه ألا وهو أنّ يُصبح من قائمة "الأغنياء"، ويكمل حديثه لوكالة "خبر": "سأفتح مشروعاً كبيراً لتشغيل الخريجين والعاطلين عن العمل، ولتزويد الشباب بمبالغ يبدأوا فيها مشاريعهم وأنمي أموالي".
واختتم سائد النجار حديثه بتوجيه رسالة لأقرانه فحواها: "كفى حججاً بالواقع، وكلنا قادرون على التفكير والوصول للعالمية، ولا تضعوا الحصار عائقًا أمام أهدافكم، وجميعكم قادر على نشر إبداع أهل قطاع غزّة في أرجاء العالم ولكل منا موهبة ومهارة فقط بحاجة للاكتشاف".