قواعد الأساس في الفكر الاجتماعي لحركة فتح

جهاد حرب.jpg
حجم الخط

بقلم جهاد حرب

 

 

 وَضَعَ الآباء المؤسسون في حركة فتح قواعد الأساس للفكر الاجتماعي ورؤيتها لطبيعة المجتمع الفلسطيني المبتغى أو المراد الوصول إليه في إطار مرحلة التحرير والبناء الديمقراطي، في دلالة على قدرة مسبقة لفهمٍ عميقٍ لدى الآباء المؤسسين لنظرية التغيير الاجتماعي القائمة على التقدم الاجتماعي، وتحديات مرحلة البناء الديمقراطي للمجتمع الفلسطيني.

فقد انتقى الآباء المؤسسون عباراتهم بعناية لتأسيس عملية التغيير عبر عملية بناء تراكمي؛ حيث أشاروا إلى "بناء مجتمع تقدمي" في الهدف الثالث في النظام الأساسي للحركة رابطين ذلك بطبيعة الدولة الفلسطينية المشار إليها في الهدف الثاني "إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية مستقلة ذات سيادة" مستلهمين ذلك من طبيعة الثورة القائمة على عملية التغيير الجذري للواقع المعاش نحو إنهاء التمييز وقمع الحريات العامة والفردية ونحو ضمان إعمال الحق الجمعي بتقرير المصير.

إنَّ قواعد الأساس هذه تحدد طبيعة المجتمع التقدمي الذي "يضمن حقوق الإنسان ويكفل الحريات العامة لكافة المواطنين" من جهة وتحفظ الدولة للمواطنين "حقوقهم الشرعية على أساس العدل والمساواة دون تمييز بسبب العنصر أو الدين او العقيدة" من جهة ثانية. هذه القواعد الأساس انعكست بترجمة ذات بُعدٍ جمالي في وثيقة الاستقلال الصادرة عن المجلس الوطني عام ،1988 وفي قواعد دستورية محكمة في البابين الأول والثاني في القانون الأساسي "دستور دولة فلسطين".

في المقابل توقف النقاش الداخلي في حركة فتح منذ سنوات السبعينيات من القرن الماضي بالقضايا الاجتماعية التفصيلية لتعميق قواعد الأساس هذه تحت حجج مختلفة مثل؛ أنَّ طبيعة مرحلة التحرير تقتضي انصهار جميع الجهود في بوتقة النضال دون الدخول في معارك جانبية تتعلق بالقضايا الخلافية، وتغليب التناقض الأساسي مع الاحتلال على التناقض الثانوي، فيما الاعتقاد سدد لدى كثير من منظري وكوادر حركة فتح أنَّ التفصيل في قواعد الأساس يتوجب عليها أنْ تنحاز إلى فكر اجتماعي ماركسي لدى التيارات الماركسية في الحركة أو  إسلامي لذوي التوجهات الدينية. قد تكون هذه الحجج صائبة وصالحة في الثلاثين السنة الأولى للحركة ما بين عامي 1965 و1994 أي قبل إنشاء السلطة الفلسطينية.

أما بعد الانتقال إلى حكم جزءٍ أساسي من الشعب الفلسطيني وبدء البناء الوطني الديمقراطي إلى جانب مرحلة التحرير، فإنَّ هذه المرحلة كانت توجب العودة لقواعد الأساس للمنطلقات الفكرية لدى الآباء المؤسسين وتطوير وتفصيل آليات بناء المجتمع التقدمي "الحلم" بما ينسجم مع نظرية التغيير والتقدم المستوحاة من جهة، وطلائعية التنظيم الثوري القائد للجماهير من جهة ثانية، وتفاعلات القوى الحية في المجتمع الفلسطيني من جهة ثالثة، ويحقق دولة المؤسسات وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية من جهة رابعة.  

إنَّ وقف النقاش والحوار الداخلي والتعمق لتفصيل القواعد الأساس للفكر الاجتماعي لحركة فتح وفقاً لغايات الإباء المؤسسين أدّى إلى وجود توجهات متعددة من القضايا الاجتماعية المطروحة مقارنة بالمنطلقات الفكرية لبناء المجتمع التقدمي المنشود؛ أيّ العقل الجمعي بالأساس، وإلى اختلاف في المواقف منها إلى حدّ التناقض ما بين مركباتها في القيادة والاطارات والقواعد التنظيمية، وما بين الأطر الناظمة والضامنة للحريات العامة المنصوص عليها في قواعد الأساس ووثيقة الاستقلال والقانون الأساسي. هذا الأمر يحتم فتح فضاءات ومساحات حوارية لإعادة الروح للقواعد الأساس من جهة، ووقف تدهور البناء المجتمعي من جهة ثانية، والإبقاء على تعظيم قدسية حرية الإنسان ومشاركته في بناء الهوية الثقافية من جهة ثانية، وتوحيد الرؤية للقضايا الاجتماعية المختلفة بما ينسجم مع قواعد الأساس للآباء المؤسسين.