ازدادت في الآونة الأخيرة المناشدات التي تُطلقها الأسر الفقيرة والمتعففة بغزّة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكأن لسان حالهم يقول "طرقنا جميع أبواب المؤسسات الخيرية ولكن دون جدوى"، حيث تتنوع هذه المناشدات ما بين طلب المساعدات الإنسانية أو العلاج أو المساعدة المالية لتوفير المسكن أو مستلزمات غذائية وغير ذلك، لينشط بذلك مجموعة من المبادرين الشباب الذين تبنوا توصيل أصوات هؤلاء الفقراء والمحتاجين إلى أهل الخير، بل وصل بهم الحال لجمع أموال المتبرعين وإيصالها لمستحقيها بعد التأكد من مصداقية الحالات.
ومع ازدياد المناشدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح الضغط كبيراً على هؤلاء الشباب، بل أصبح يشوب هذا الموضوع بعضاً من عمليات النصب والاحتيال والمناشدات الكاذبة، ليستغل بعض الأفراد وضعهم الاقتصادي السيئ ويتسولون إلكترونياً عبر صفحات النشطاء أو المسؤولين، وعلى الجانب الآخر بعض ممن يُطلقون على أنفسهم مبادرين ونشطاء استغلوا حاجة الفقراء إما ينهرونهم أو لا يُجيبون على مناشداتهم وإما يكون لهم نصيب من أموال المتبرعين، فهو يرى أن مساعدة الفقير يأخذ من وقته وجهده وتعبه ولا يضر إذا اقتطع جزءاً من الأموال وساعد نفسه على مواصلة الطريق وتخصيص دخل له للانفاق على نفسه.
ومن المعروف أنَّ قواعد العمل الإنساني تقوم أولاً على حفظ الكرامة الإنسانية للفقراء والمعوزين وأصحاب الحاجة، فيما تأتي جهود توفير الحياة الكريمة في المقام الثاني. غير أنّ هذه القواعد قد غابت وسط فوضى انتهاك خصوصية هذه الفئات من الناس عبر منصات التواصل الاجتماعي في بعض الأحيان.
مراسلة وكالة "خبر" بحثت في هذا الموضوع وتواصلت مع بعض المحتاجين والمتعففين في غزّة، ممن يتواصلون مع النشطاء والمبادرين وسألتهم عن هذا الموضوع وكان كالتالي:
الناشطة الاجتماعية، نبيلة اسليم، هي إحدى المبادرات والناشطات الاجتماعيات في عدة مجالات، أنشأت صفحة اجتماعية تتواصل من خلالها مع العديد من السيدات وتطرح من عبرها مجموعة من القضايا الأسرية والاجتماعية، بالإضافة إلى نشر مناشدات الكثير من الأسر المتعففة، مع بعض المبادرات الأخرى لجمع الملابس المستعملة والمساعدات ومن ثم توصيلها لأيّ محتاج في منطقتها والمناطق المجاورة لها، وقد لاقت صفحتها وهي أيضاً مصداقية كبيرة عند الكثير من العائلات، فازداد الطلب والمناشدات عليها حتى أنّها أرادت الاستعانة بالجمعيات الأخرى لمساعدتها على توفير ما يلزم للفقراء والمحتاجين.
وأشارت نبيلة، في حديثها لمراسلة "خبر"، إلى أنّها تتلقى يومياً عشرات المناشدات من العائلات الفقيرة والمحتاجة، خاصةً مع بدء فصل الشتاء الذي يحتاج فيه الفقير لجميع وسائل التدفئة من ملابس وأغطية وأغذية.
وقالت: "إنَّ سوء الأوضاع الاقتصادية والأزمات المتلاحقة التي يمر بها قطاع غزّة، دفعت شريحة واسعة من الفقراء والمحتاجين للجوء إلى نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لطلب المساعدة، كونهم يحظون بعلاقات مع مؤسسات وجمعيات إغاثية أو حتى مع مسؤولين، مما يسهل عليهم الحصول على المساعدة المطلوبة".
كما تطرقت اسليم، إلى جانب في غاية الأهمية والخطورة، وهو طريقة تعامل بعض مسؤولي الجمعيات الخيرية مع النشطاء، خصوصاً حينما تتوجه إلى أحدهم لكي تُرسل له بيانات أحد المحتاجين، فبدلاً من أنّ يتعامل معها باحترام وبشكلٍ طبيعي، فيكون همه الوحيد هو كيفية حصولها على رقمه وكأنّه سر لا يُمكن لأحد أنّ يحصل عليه، ومن ثم قام بحظرها عبر تطبيق الماسنجر لكي لا تتواصل معه، الأمر الذي جعل نبيلة تتساءل عن أسباب هذه المعاملة السيئة، وفق حديثها.
الناشط محمد خيري، هو الآخر كرَّس جهده ووقته لخدمة المحتاجين بجانب عمله، حيث تحدث عن آلية التعامل مع المناشدات، فقال: "أتحقق من الحالة المرسلة لطلب المساعدة، من حيث التدقيق في تفاصيلها والتأكد منها، والوقوف عليها بشكل دقيق قبل التعامل معها، وبعد الانتهاء من مرحلة الفحص والتثبت، أقوم بنشر المناشدة كما تصل، ويتواصل بعدها المتبرعين من داخل غزة وخارجها معي، حيث أصبح بيننا ثقة في التعامل لتقديم مساعدة مالية أو عينية، بالإضافة للمناشدات المتعلقة بالسفر للعلاج وغيرها".
ولم يستبعد خيري، ازدياد هذه الحالات، والرسائل التي يتلقاها وغيره من النشطاء والإعلاميين يومياً، خصوصاً في ظل استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في قطاع غزّة.
"أم هاشم" هي سيدة لفتتنا مناشدتها عبر إحدى الصفحات، والتي تطلب فيها أغطية لأولادها في فصل الشتاء، وتدعو جميع الراغبين بمساعدتها للتواصل معها وزيارتها لمعاينة بيتها، حيث سألتها مُعدة التقرير إذا ما كانت قد توجهت للجمعيات الخيرية التي يُمكن أنّ تُساعدها، فقالت: "لدي أربعة أطفال وابن معاق، واُستشهد زوجي في العدوان الأخير على قطاع غزّة، دون أنّ يبقى لنا مُعيل سوى مخصصات الشؤون الاجتماعية التي نأخذها في السنة مرة واحدة، فاضطررت لطرق أبواب إحدى الجمعيات الخيرية واستقبلني الموظف بطريقة بشعة جداً، وكأنني جئت لأتسول منه، وبعد أنّ أخد بياناتي أخبرني أنّه سيتم التواصل معي إنّ توفرت الأغطية والمساعدات".
وتابعت: "من طريقة حديثه معي كنت متأكدة أنّهم لن يتصلوا بي، وفعلاً مرَّ على الزيارة أكثر من شهر ونصف، وراجعتهم عدة مرات في تلك الفترة، وفي كل مرة كنت أحظى بنفس المعاملة دون نفس أيّ تغير في طريقة المعاملة".
وأوضحت أنّها توجهت لصفحات النشطاء والإعلاميين بعد أنّ يئست من إمكانية حصولها على المساعدة من خلال الجمعيات الخيرية، خصوصاً أنّها ترى نتيجة من تلك الصفحات واستجابة أسرع، مُضيفةً: "فعلاً تمت الاستجابة لمناشدتي وتم التبرع لبيتي بنايلون لوضعه فوق الإسبست، لكي لا يغرق البيت من مياه الأمطار، بالإضافة إلى الأغطية لحماية أبنائي من برد الشتاء".
"أم العبد" حالة أخرى تُعيل أسرة محتاجة في قطاع غزّة المحاصر، فقالت: "إنّها لجأت لإرسال رسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي لبعض النشطاء من الشباب والصحفيين، بعد أنّ ضاق الحال بها، ولم يعد في بيتها قطعة خبز تسد رجوع أبناءها السبعة، وزوجها المريض بـ"الغضروف" الذي لا يقوى على العمل".
وأكملت: "البعض استجاب وطلب عنوان المنزل ورقم الهاتف، وآخرون تجاهلوا الرسالة، بل وتحدثوا معي بأسلوب سيئ وهم أسماء معروفة في العمل الخيري، مما جعلها تمر بصدمة كبيرة من هذه التصرفات ولم تعد تثق بما يتحدثون"، مُردفةً: "الإسلام معاملة ، وقد وصلنا بالفعل بعض الأشخاص وتحققوا من احتياجنا للمساعدة، وتلقت عائلتنا مساعدات غذائية وعينية طارئة، ووعدونا بالمزيد في المستقبل".
وتساءلت "أم العبد" كما غيرها من فقراء غزّة، عن دور المسؤولين والحكام في مساعدتهم، وإنّ كان لديهم معرفة بأنّه سيتم سؤالهم يوم القيامة عن الفقراء والمحتاجين.