صعود «اليمين الفاشي العنصري»، إلى قمة الهرم السياسي الإسرائيلي يشكّل تطوّراً خطيراً، في سياق سعي «الصهيونية الدينية»، لتنفيذ الحدّ الأقصى من أهداف المشروع الصهيوني الاستعماري الأساسي، لكنه، أيضاً، يدقّ المسمار الأوّل في وجود دولة إسرائيل.
هذا الصعود لم يكن نتاجَ مؤامرةٍ، أو انقلاب، وإنما هو نتاج تطوّر طبيعي في المجتمع الاستيطاني، الأمر الذي كان سيحصل يوماً ما لو أنه لم يحصل خلال الانتخابات الأخيرة.
حكومة نتنياهو، التي اكتملت تشكيلتها، وعلى وشك أن تحصل على دعم اربعة وستين مقعداً في الكنيست، محكومة تماماً، لحزبي إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ذلك أن بقاءها واستمرارها مرهون بانصياع بقية أطراف الائتلاف، لسياسات تلك الأحزاب، علماً أن نتنياهو ليس بعيداً في رؤيته عن رؤية زملائه الجدد.
التطوّرات الحزبية في إسرائيل، خلال السنوات الفائتة، لم تتح لنتنياهو أن يستند إلى تحالفات مع أحزاب «الوسط» و»اليسار»، أو «الصهيونية العلمانية» للمضي قدماً في تحقيق أهداف المشروع الصهيوني.
كل الوقت يعمل نتنياهو باجتهاد من أجل نسف كل محاولة ممكنة لتحقيق السلام مع الفلسطينيين على أساس قرارات الشرعية الدولية و»رؤية الدولتين».
لقد أكد نتنياهو كل الوقت أنه يرفض إمكانية إجراء مفاوضات تعطي للفلسطينيين حقوقاً سياسية أقرّتها الشرعية الدولية، وهو كان قاب قوسين أو أدنى، من اتخاذ قرار بضم المناطق «ج» من الضفة الغربية خلاله مرحلة الرئاسة الترامبية.
في تغريدة مجازية، وكإشارة للتحوّلات الاجتماعية في إسرائيل تقول عضو الكنيست الإسرائيلي يوليا مالينوفسكي من حزب «إسرائيل بيتنا»، الذي يتزعّمه «اليميني المتطرّف» أفيغدور ليبرمان: «إن إيغال عمير ــ قاتل رابين ــ سيفوز في الانتخابات إذا قرّر خوض المنافسة».
لا رجعة إذاً فيما وصلته إسرائيل، وأنتجته سياسات الأحزاب منذ قيامها العام 1948، بل إن صعود «اليمين العنصري الفاشي»، و»اليمين الحريدي»، سيشكّل عاملاً مهماً، نحو تعميق التحوّلات المجتمعية نحو سيطرة متزايدة وكاسحة لهذا «اليمين».
ردود الفعل الأولية، في الأوساط الإسرائيلية المعارضة، وعلى مستوى نخبٍ أمنية وعسكرية، وسياسية وإعلامية، تنذر بفوضى عارمة، ونشوء تناقضات وصراعات واحتجاجات مكشوفة أمام العالم الخارجي والجاليات اليهودية في الخارج.
ليس الفلسطينيون وحدهم من سيعاني مخاطر حقيقية تتصل بحقوقهم السياسية، ومقدساتهم وأرضهم، وحتى وجودهم، بل إن هذا البلاء يهدد الديمقراطية الإسرائيلية الكاذبة وصولاً إلى التهديد الوجودي في مستقبل ليس بعيداً.
الفلسطينيون ليس أمامهم سوى مجابهة هذه الحكومة ومخطّطاتها وهم قادرون على ذلك، ولكن التهديدات على الديمقراطية الإسرائيلية وعلى وجودية الدولة، لن يجد من ينقذ إسرائيل منها.
أوّل من أمس، السبت، خرجت تظاهرات احتجاجية في إسرائيل ضد حكومة نتنياهو، ورفعت شعار «الديمقراطية الإسرائيلية في خطر».
سيتكرّر هذا المشهد، وتتسع أشكال ووسائل الاحتجاج مع استمرار هذه الحكومة، حين تمضي في تنفيذ سياساتها، التي تبدأ بتغييرات جذرية واسعة في صلاحيات الوزراء، وفي منظومة القضاء التي ستسقط دفعة واحدة، بعد أن تعطي نتنياهو الأمان إزاء إمكانية محاكمته.
سقوط المنظومة القضائية في إسرائيل، رغم أنها كانت دائماً جزءاً من المنظومة والهيكلية السياسية، من شأنه أن يطيح بدورها ومصداقيتها المضروبة أصلاً أمام منصّات العدالة الدولية.
تكفي الإشارة، من بين تطورات عديدة، وإشارات متزايدة نحو المخاطر التي تنتظر إسرائيل، ما ورد في افتتاحية «نيويورك تايمز» الأميركية لعددها يوم السبت المنصرم، تحت عنوان «ديمقراطية دولة اليهود في خطر»، وقالت: «إن دولة اليهود في خطر مع حكومة نتنياهو، وإن هذه الحكومة تشكّل خطراً على إسرائيل».
الفلسطينيون قادرون، وأمامهم فرصة تاريخية لإلحاق هزيمة تاريخية بالمشروع الصهيوني، إن هُم أحسنوا التصرُّف، وقاموا بما عليهم أن ينجزوه، في الوقت المناسب، وهذا هو الوقت المناسب.
الجمعية العامة للأمم المتحدة، اتخذت قراراً تاريخياً، في الخامس عشر من الشهر الجاري. مئة وثمانية وستون صوتاً لصالح قرارٍ يقضي بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. هذا يعني أن المجتمع الدولي برمّته يؤيد هذا الحق، ما عدا إسرائيل والولايات المتحدة ودولا نعرف أسماءها ولا نعرف أين هي على الخارطة.
هذا ليس قراراً يُضاف إلى مئات القرارات التي اتخذتها مؤسسات الأمم المتحدة، ولا يمكن أن يتحول إلى رقم آخر، يشكّل مرجعاً للباحثين، أو لتعزيز الشكوى من عجز الأمم المتحدة عن تنفيذ قرارات.
المجتمع الدولي سواء بما هو عليه، أو حتى حين يتغيّر النظام الدولي إلى نظامٍ متعدّد الأقطاب، لن يبادر إلى إرغام إسرائيل على تنفيذ أي من قرارات الأمم المتحدة.
سيقول هؤلاء حينها ما كان قاله أحد المسؤولين السوفيات قبل زمن: «.. وهل وصلتم إلى تل أبيب ومنعناكم عن ذلك؟».
أميركا، تعلن ليل نهار أن «رؤية الدولتين» هي الحلّ الأفضل للصراع وهو فعلاً الحلّ المنقذ لإسرائيل والمشروع الصهيوني، لكنها لا ترى أن هذا الحلّ ممكن خلال أفقٍ قريب، وهي ليست مستعدّة لأن تفعل شيئاً من أجل تحقيقه لأن إسرائيل مشروعها ويدها الضاربة في المنطقة.
أميركا تريد أن يكون ذلك عَبر مفاوضات «يتكرّم» فيها الجانب الإسرائيلي بالموافقة، ولكنها ترفض أن يستند إلى مرجعيات الشرعية الدولية.
الفرصة مُتاحة أمام الفلسطينيين لإعلان الدولة، والبدء بإجراءات فعلية لإقامة مؤسساتها، بما يضع المجتمع الدولي الذي صوّت لحق تقرير المصير أمام مسؤولياته. بالطبع فإن ذلك يستدعي حواراً فلسطينياً جدّياً ومثمراً لتجاوز حالة الانقسام والضعف القائمين.