معاريف : إسرائيل تتفكك: التهديد الوجودي الأخطر

حجم الخط

بقلم: يوسي هدار

 


إسرائيل آخذة في التفكك. قد يسمع هذا دراماتيكيا جدا، لكن رغم الإنجازات الفاخرة لهذه الدولة وقدراتها الهائلة، يحصل هذا. ليس من الخارج بل من الداخل، رويدا رويدا، ولهذا يجب العمل بسرعة. الأفظع من كل شيء أن أحدا لا يهمه هذا على الإطلاق؛ نحن غير مبالين. ومن أودعت في أيديهم المسؤولية المقدسة عن إدارة الدولة منشغلون بحروب سياسية قذرة، وغارقون في الفساد، ويقلقون على بقائهم الشخصي.
لم يعد الحديث يدور فقط عن التوترات المعروفة بين اليمين واليسار، المتدينين والعلمانيين، المركز والمحيط، لم يعد يدور الحديث فقط عن شروخ. هذه المرة يدور الحديث عن كانتونات حقيقية، بغياب حوكمة وبفقدان سيادة لا يطاق.
أثناء المفاوضات عديمة الجدوى بيننا وبين الفلسطينيين، استخدم الزعماء الإسرائيليون غير مرة عبارة "دولة ناقص". أي أن يحصل الفلسطينيون على نوع من الدولة، غير أنه لشدة الأسف إذا ما نظرنا جيدا إلى المرآة فسرعان ما سنفهم بأننا نحن الذين نعيش في "دولة ناقص".
قبل وعن حقنا في "يهودا" و"السامرة" نشهد فقدان مناطق كاملة في هذه الدولة الصغيرة. سقط الجليل ضحية لسيطرة عربية، للجريمة وللخاوة، وأصبح النقب حكما ذاتيا بدويا للزعران و"الإرهاب"، ويشاغب الحريديم في مئة شعاريم وفي أماكن أخرى، ويحقرون القانون ولا يقبلون إمرة الدولة. لكل هذا ينبغي أن يضاف العبث المتواصل منذ قيام الدولة والمتمثل بانعدام الحدود الدائمة وانعدام الدستور وانعدام القانون الأساس للتشريع، والتمييز بين الدم والدم، حين يتملص الشبان الحريديم من التجند للجيش الإسرائيلي.
منذ نشأت وإسرائيل تعيش تهديدات لا تتوقف من الخارج، لكن يخيل أن التهديد الأخطر هذه المرة، التهديد الوجودي، هو من الداخل.
عن فقدان الحوكمة تتحمل المسؤولية كل حكومات إسرائيل التي تولت الحكم هنا في العقود الأخيرة.
أحداث "حارس الأسوار" التي كشفت الظاهرة بقوة أكبر، أيقظت قليلا الجمهور والقيادة الإسرائيلية، لكن مع هذا أدت إلى صعود ائتلاف يمين متطرف.
من يعتقد أن هذا هو العلاج للتفكك وفقدان الحوكمة سرعان ما سيخيب ظنه. فالتشريع المتحقق المناهض للديمقراطية والمناهض لليبرالية، وشرعنة الفساد والاستسلام المعيب للحريديم، إلى جانب جهات متطرفة ستتحكم بمناصب أساس، من شأنها فقط أن تفاقم الوضع وتدهوره أكثر فأكثر.
إن إعادة الحوكمة وإنقاذ إسرائيل ليستا مهمة يمين أو يسار، بل مهمة صهيونية من الدرجة الأولى.
مؤخراً أقيم جسم جديد: منتدى أمن الحوكمة والاستيطان. ويدور الحديث عن جسم خط على علمه استعادة إسرائيل لحوكمتها. بين أعضاء المنتدى شخصيات عامة، جنرالات، ومسؤولون من كل أطراف الطيف السياسي. لا أدري ما الذي سينجح هذا المنتدى في تحقيقه لكن هذا هو الاتجاه. توحيد قوى سياسي.
غير أنه في هذه الساعة، حين يهتم كل طرف وكل حكم ذاتي بنفسه وينزعون شريحة أخرى من الرسمية الإسرائيلية، حين يرفع كل واحد إلى الحد الأقصى مكاسبه ويحرص على مصلحته هو نفسه وبغياب تهديد خارجي حقيقي وفوري، فإن وضع الطوارئ يصبح غير منظور تقريبا، وغير محسوس، ومخادع وغامض، وهذا هو الخطر الأكبر. علينا أن نفهم وضعنا ونتخذ أعمالا تعيد الحوكمة مرة واحدة وإلى الأبد. إلى جانب الحرص على المساواة المدنية التي تحترم عموم المواطنين علينا أن نهود دون خجل الجليل والنقب.
أن نفرض النظام في شوارع المدن المختلطة وعلى الطرقات. وأن نمارس يدا من حديد ضد المشاغبين الحريديم ويدا من حديد ضد الجريمة بعامة، بصفر من التسامح.
هكذا فقط تتمكن الديمقراطية الإسرائيلية من أن تدافع عن نفسها وتحقق بشكل كامل حقها الكامل في تقرير مصير إسرائيل كدولة قومية يهودية.

عن "معاريف"