«الغرب» يلعب ورقته الأخيرة في أوكرانيا

D2EE8231-76C0-4BE1-866C-C276BEEBC922-e1601304572733.jpeg
حجم الخط

بقلم عبد المجيد سويلم

 

 

 

يقول «الغرب»، إن إمدادات الأسلحة الأخيرة إلى أوكرانيا، وخصوصاً الدبابات الأميركية والألمانية والبريطانية الحديثة، وكذلك بعض أنواع الصواريخ، والأبعد مدى من كل الصواريخ التي سلّمها «الغرب» لنظام فلودومير زيلنسكي حتى الآن.. يقول «الغرب»، إن إرسالها مشروط بعدم استخدامها لضرب أهداف في الأراضي الروسية!
تبدو الأمور هنا وكأنّ «الغرب» يتصرّف بحذر شديد، لأن استخدام أوكرانيا لهذه الأسلحة في ضرب أهداف في الأراضي الروسية سيعني بالضرورة أن روسيا ستردّ بكل قوّة على الغرب نفسه وليس فقط على أوكرانيا، باعتبار أن «الغرب» يكون فعلياً قد دخل مباشرة في الحرب، وتكون الحرب في هذه الحالة قد وصلت إلى أخطر مراحلها، وإلى الهاوية النووية.
وحسب رأيي فإن الرد الروسي في هذه الحالة سيكون صاعقاً، وسيكون صادماً لكل «الغرب»، ولن تتردّد روسيا في هذه الحالة بتدمير «أوكرانيا» التي ما زال يسيطر عليها نظام زيلنسكي، كما قال ميدفيديف، ولن تسلم «دول البلطيق» من الضربة الأولى لروسيا، ولن تسلم أبداً بولندا من هذه الضربة.
وفي حال أن ردّ الغرب على ضربة كهذه تكون كل الأراضي الروسية معرّضة لضربات مدمّرة، وتكون أوروبا كلها عُرضة للتدمير المضاد.
«الغرب» الكاذب والمخادع، والذي يعرف حقّ المعرفة أن نظام زيلنسكي فقد زمام المبادرة العسكرية، وأن هزيمته باتت محقّقة، لجأ إلى هذه «الحيلة» بالذات، لأنها تنطوي على هامش واسع من المناورة، ولأنها تنطوي أصلاً على عناصر غامضة تتيح للغرب المزيد من هوامش المناورة.
«الغرب» يتحدث هنا عن «تفاهمات» فيما بين دوله المشاركة في هذه الإمدادات، وفيما بين هذه الدول ونظام زيلنسكي، بألا يتم التعرّض للأراضي الروسية، لكن مفهوم «الأراضي الروسية» هو الذي يفتقد للتحديد، وليس هناك أي «تفاهمات» عليه، لا بين دول «الإمدادات»، ولا بينها وبين نظام زيلنسكي، ولا مع روسيا بطبيعة الحال.
فلو افترضنا جدلاً أن «الغرب» كان قد سلّم، سلفاً بأن «القرم» لم يعد جزءاً من أوكرانيا، فإنه لم يسلّم بعد بأن الأقاليم الأربعة هي جزء من الأراضي الروسية.
وحتى لو سلّمنا بأن «الغرب» يمكن أن يعتبر إقليم الدونباس ما زال في عداد الأراضي «المتنازع عليها»، فإنه لن يسلّم بسهولة بأن إقليمي زابوريجيا وخيرسون هما، أيضاً، من الأراضي المتنازع عليها، لكي يسلّم بأنها من الأراضي الروسية.
أما نظام زيلنسكي فيعتبر أنّ كل هذه الأراضي هي جزء لا يتجزأ من أوكرانيا، في حين أن روسيا «ضمّت» هذه الأراضي، وباتت تعتبرها من الأراضي الروسية، بصرف النظر عن عدم سيطرتها الكاملة عليها بعد، وبصرف النظر، أيضاً، عن رأي «كييف» و»الغرب» كلّه، بل إن الحرب في أوكرانيا التي تدور رحاها هي الحرب التي شنتها روسيا من أجل رفع المعاناة عن التنكيل الأوكراني بها، وعن الروس والناطقين بالروسية فيها، وبهدف منع «الغرب» من استخدامها لتهديد الأمن القومي الروسي، ومحاولات هذا «الغرب» على مدار عقدٍ كامل لتقويض الدولة الروسية باستخدام هذه الأراضي على وجه الخصوص.
ليس هذا فقط، وإنما أن روسيا ومن خلال سلوك «الغرب» في هذه الحرب بالذات باتت على قناعة مطلقة، بأن «الغرب» خطّط بصورة لم تعد تقبل أيّ شك من أجل وضع روسيا أمام خيار واحد ووحيد، وهو الخضوع لـ»الغرب»، أو مواجهة الخنق الاقتصادي والتهديد العسكري والأمني المباشر على حدودها.
ولهذا فإن روسيا لم تتردّد عند درجة معينة في شنّ العملية العسكرية في أوكرانيا، ولا في الاعتراف بالجمهوريتين، ولا بضمّ المقاطعات الأربع بعد ذلك، ولم تكتفِ بالواقع الميداني، وإنما تحوّل الأمر إلى الاعتبارات الدستورية والقانونية الكاملة.
زجّ «الغرب» بكل قوته الممكنة حتى الآن مسخّراً كل ترسانته الإعلامية، والعسكرية، والاقتصادية والمالية ليس للانتصار على روسيا ــ لأن هذا الهدف أصبح خلفنا الآن ــ وإنما لمنع روسيا من الانتصار الساحق في هذه الحرب، وذلك نظراً لما سيؤدي إليه مثل هذا الانتصار، حتى وإن لم يكن ساحقاً من نتائج كارثية على هذا الغرب، وعلى استمرار هيمنته على العالم وعلى شعوبه قاطبة.
لم يعد أمام «الغرب» سوى هذا الهدف، وليس أمامه سوى أن يزجّ في هذه الحرب آخر ورقة لديه، وهي ورقة الخداع الأخير حول مفهوم «الأراضي الروسية».
بعد تفجير «الجسر» فهم «الغرب» أن الاقتراب من «القرم» خطّ أحمر، والردّ الروسي كان كافياً ومقنعاً تماماً آنذاك، ولهذا فإن «الغرب» يرى أن استخدام الأسلحة الجديدة سيظل في نطاق الأقاليم الأربعة، وربما في إقليمي خيرسون وزابوريجيا تحديداً، لأن المعارك في الجمهوريتين تشارف على نهايتها، والقوات الأوكرانية هناك لم يعد لديها القوة للدفاع عن خطوطها الدفاعية.
لكن الأزمة هي أن نظام زيلنسكي يمكن أن «يُقامر» عن عمدٍ وسبق الإصرار لجرّ العالم إلى صدامٍ كبير، وهو أصلاً لا يسيطر على قواته في كثير من المناطق، و»الجماعات النازية» تتحكّم في مفاصل الدولة والجيش، وهو ما يُنذر بأخطر الاحتلالات وأكثرها جنوناً.
واضح في ضوء كل ذلك أنّ الأمر كله سيتعلّق بالاعتبارات الروسية نفسها.
وواضح، أيضاً، أن ضرب الأراضي الروسية في الحدود التي سبقت العملية العسكرية في أوكرانيا باستخدام الصواريخ «الجديدة»، المزمع تسليمها إلى نظام زيلنسكي ستعني انزلاق الحرب إلى مرحلةٍ كبيرة من التدمير المتبادل، ستكون أوروبا ساحتها الأولى، وهو الأمر الذي قد تُغامر به «الجماعات النازية»، وقد يؤيّدها في هذه المغامرة زيلنسكي نفسه، وقد «يفكّر» به بعض الأوساط في الولايات المتحدة من زوايا شرّيرة كثيرة سنأتي عليها في مقالات قادمة.
لكن استخدام هذه الأسلحة «الجديدة» في حدود المقاطعات الأربع لن تعتبره روسيا «مُباحاً»، كما تعتقد أوروبا «المغلوبة على أمرها»، وكما يعتقد بعض الدوائر الأميركية، وهو استخدام سيؤدي إلى استخدام روسيا لأسلحة جديدة، ربما ما دون النووية، ولكنها ستكون صادمة لـ»الغرب»، ولأوكرانيا وللعالم كلّه.
«الغرب» يعرف أنّ هذه هي الورقة الأخيرة، وقد يصل به الجنون إلى إمدادات جديدة تصل إلى «المقاتلات الغربية» من دون أن «يعتبر» نفسه متورطاً بالحرب المباشرة، لأن البديل عن هذا الجنون هو القبول بالشروط الروسية لإنهاء هذه الحرب، وهو الأمر المرفوض حتى الآن.
بعيداً عن «قعقعة» الأسلحة، فقد تكون الورقة الأخيرة هي «الفرصة» التي «ستبرّر لهذا «الغرب» الجلوس إلى طاولة المفاوضات، بمعنى أن البلدان الأوروبية ستقول لشعوبها إنها فعلت كل شيءٍ ممكن، ولم يعد أمامها سوى المساومة، لأنّ البديل هو الحرب التدميرية الشاملة.
وقد تكون الإدارة الأميركية نفسها ليست بعيدة عن مثل هذا التفكير والتبرير، لكن المؤكّد أن هوامش «الغرب» تضيق وتتلاشى والمناورات باتت على مساحات سياسية صغيرة، والمساحة «الاقتصادية» تقلّصت بعد أن وصلت إلى حدود أحد عشر ألف عقوبة بين رئيسة ومتفرّعة عنها، ولم يتبّقَ سوى بعض الهوامش العسكرية الجانبية على أرض الواقع، ولكنها الأخطر على مستوى ما يمكن أن ينجم عنها من تطوّرات، ومن تبعات، ومن جنون أوكراني و»غربي» عموماً وأميركي على وجه التحديد.