من عايش آلام الناس الذين احتجزهم الزلزال المرعب تحت انقاضه لأكثر من عشرة أيام، وهم بالملايين من سكان الكوكب، أدركوا لربما بدون لبس او مكياج او قشور، كم هو هذا العالم قاس وساد ومتوحش، حين قرر الغرب المتحضر منع المساعدات عمن احتجزهم الزلزال في سوريا على مدار الأسبوع الأول، بدعوى معاقبة النظام السوري ، وان هذه المساعدات تتناقض مع قانون قيصر القاضي بفرض العقوبات على سوريا . كان يكفي نصف هذه المدة او أقل بكثير ليموت تحت الأنقاض الاف المحاصرين من الأطفال والنساء والشيوخ، فمن لم يمت بالردم فوق رأسه، كان سيموت من الجوع او البرد او الخوف ، وإذا لم يدرك هؤلاء ان قرار تركهم وحدهم يواجهون مصيرهم الأسود تحت انقاض بيوتهم ، قد تم اتخاذه في أروقة البيت الأبيض وبقية أروقة الحكم في العالم الغربي ، فإننا نحن من بعيد في كل بقاع الكون وبكل لغات العالم، كنا شهودا على ذلك .
حسن نصر الله ، في خطابه الأخير يوم امس الاول، اسماها بالفوضى ، وفي تقديري الشخصي ، انها تسمية خاطئة، ما يتعرض له لبنان منذ عشرات السنين، ليست فوضى، انها عقوبات أميركية غربية عربية فرضت على لبنان بسبب مواقفه المعلنة ضد الصلح مع إسرائيل ، وهي في حد ذاتها لا تقل خطورة عن الزلزال الأخير ، ألم يكن انفجار المرفأ في بيروت زلزالا من نوع آخر، ألم يكن الإغراق في العتمة وانقطاع الوقود والكهرباء والافران وشح الخبز وانهيار العملة ، جزء من زلزال لا أحد يعرف متى تتوقف اهتزازاته وارتداداته. ألم تدخل سوريا في زلزال طال البشر والشجر والحجر على مدار عشر سنوات ، ومعها ليبيا واليمن والعراق ومصر و فلسطين والسودان، وكل بقعة عربية تقريبا رفضت ان يكون لها علاقات مع إسرائيل، هذه ليست فوضى يا سماحة السيد ، هذه حرب ضروس ، اقرب الى الحرب العالمية الثالثة التي شارك فيها على قدم وساق عشرات الدول والجيوش والاستخبارات والطغم المالية بمئات المليارات والأسلحة والرجال وحتى النساء في نكاح الجهاد ، و ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا. آخر ما حرر على هذا الصعيد، ما حرره الصحفي النمساوي "ميخائيل كوخ" في صحيفة "Exxpress" أن القمح الأوكراني يصدر علفا للخنازير في إسبانيا بدلا من إرساله إلى البلدان الإفريقية الفقيرة ، وهو تعبير مكثف عن الوجه الحقيقي للذئاب التي تحكم وتتحكم في الكرة الأرضية . وينفع التأريخ لهذه "الفوضى" مع انهيار جدار برلين قبل ما يزيد على ثلاثين سنة ، حيث انهارت معه منظومة الاخلاق والمثل وقيم الاخوة والمحبة والسلام ، ما عبر عنه الشاعر الكبير نزار قباني: في عصر زيت الكاز يطلب شاعر ثوبا وترفل بالحرير قحاب ، ما كان قد عبر عنه الامام الشافعي قبل النفط والكاز والغاز بألف سنة : تموت الأسد في الغابات جوعا / ولحم الضأن تأكله الكلاب . "والقمح تأكله الخنازير" .