تداولت وسائل التواصل الاجتماعي رسالة موجهة من الأخ المحامي وليد أبو تايه الى الأخ الرئيس محمود عباس يطلب منه ... " مباركتكم وموافقتكم مشاركة أهل القدس في انتخابات بلدية القدس". ويوضح الأخ وليد في رسالته أنه من مواليد الناصرة ويحمل الجنسية الإسرائيلية وأنه منذ 44 عاما من سكان القدس العربية المحتلة. ويقول في رسالته أنه قرر خوض الانتخابات البلدية التي ستُجرى في شهر تشرين أول القادم.
"وهذه بعض، وليس كل الأسباب، التي يذكرها في رسالته والتي من أجلها قرر خوض الانتخابات لرئاسة وعضوية بلدية القدس:
"1. الصمود والبقاء والحفاظ على الوجود الفلسطيني ووقف التهجير.
2. المحافظة على حقوق السكن والتملك، العمل، والرواية الفلسطينية، والحقوق المكتسبة لأهل القدس.
3. وقف هدم البيوت ووقف مصادرة الأراضي.
4. تحصيل رخص بناء، وبناء أحياء عربية جديدة.
5. الحفاظ على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية
6. تحويل البلدية الى منبر سياسي وقانوني لعدالة قضيتنا الوطنية
7. لأن المستفيد الوحيد من عدم مشاركتنا هي إسرائيل وسكان القدس اليهود الذين يتفردون لوحدهم بإيرادات البلدية التي تصل كل سنة ما لا يقل عن سبع مليارات دولار، وهم الإسرائيليون لوحدهم يتصرفون بموارد القدس الشرقية والغربية، والإسرائيليون لا يريدون أحدا أن يتقاسم معهم الكعكة، وبلدية القدس تربح ربحا صافيا بعد المصاريف والنفقات من اهل القدس الشرقية لا يقل عن ملياري دولار سنويا.
8. العيش المشترك بسلام في القدس المفتوحة شرقية وغربية هو نموذج وعينة مصغرة لحل الدولة الواحدة في فلسطين التاريخية، إضافة لفكرة القدس الدولية مع بيت لحم Corpus Separatum. "
نهاية الاقتباس.
ومع أن ما ورد أعلاه يُشكل أولوية مطلبية لكل فلسطيني إلا أن من السذاجة التصديق بأن المشاركة في الانتخابات البلدية يمكن أن تحقق أي بند منها.
سيناريوهات المشاركة في الانتخابات
وعلى أية حال فإن الجدل حول المشاركة في الانتخابات البلدية بالقدس المحتلة ليس جديدا ً بل يجري الخوض فيه عند كل دورة انتخابات بلدية منذ الثمانينيات. وكانت حركة ميرتس تحض الفلسطينيين المقدسيين على المشاركة في الانتخابات البلدية وبلغ الأمر ببعضهم أن حمل الفلسطينيين مسؤولية فشله في الانتخابات. وقد لوحظ في العقدين الأخيرين ترشح بعض الفلسطينيين من الأحياء العربية ولكن أحدا ً منهم لم ينجح لأن هناك اجماع وطني في المدينة ضد المشاركة في الانتخابات لأن القدس العربية هي جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة منذ 1967 والمشاركة في انتخابات تُجرى حسب القانون الإسرائيلي تُشكل قبولا ً وشرعنة للاحتلال واقرارا ً بأن القدس تخضع للولاية القانونية الإسرائيلية.
وفي المقابل فإن هناك أقلية هامشية تقول بأن الانتخابات البلدية ليست انتخابات سياسية أو وطنية وإنما هي انتخابات خدماتية وأن من حق أي مقيم ٍ بالقدس اختيار المجلس البلدي الذي يقدم له الخدمات، وأن وجود فلسطينيين في المجلس البلدي سيحمي حقوق ومصالح المقدسيين بما في ذلك بعض ما تضمنته رسالة الأخ وليد تايه آنفة الذكر.
ولو تعاملنا مع الموضوع بشكل نظري لقلنا بأن هناك منطق في كلتا وجهتي النظر وحاولنا الموازنة بينهما لاختيار الأفضل، ولكن النظري لا يتفق مع التطبيق والواقع.
فالذي سيحصل هو ان المتدينين اليهود والقوميين المتطرفين والعنصريين سوف يستغلون الحديث عن مشاركة الفلسطينيين في الانتخابات للتحريض ضدهم وحث اليهود على التوجه الى صناديق الاقتراع بجماهيرهم لإنقاذ القدس من العرب، بينما لا تتوفر للعرب مثل هذه الفرصة ولن يستطيعوا تحريك جماهير المقدسيين نحو صناديق الاقتراع للأسباب السياسية والوطنية آنفة الذكر، وعندها وحتى لو فاز العرب ببعض المقاعد إلا أن الأغلبية ستكون بيد الأعضاء اليهود وسنخرج ببلدية أسوأ ألف مرة من البلدية الحالية، بينما سنكون أمام العالم قد أعطينا الشرعية لبلدية الاحتلال وقمنا بتطبيع الاحتلال وقوانينه بالقدس. ولذلك يجب تفادي أي عمل يمكن أن يفهم منه أن الفلسطينيين سيشاركون بالانتخابات البلدية الإسرائيلية.
وعليه فلا قيمة ولا فائدة عملية للفلسطينيين المقدسيين من المشاركة في انتخابات بلدية تُجرى بموجب القانون الإسرائيلي ولا بد من تسييس الانتخابات البلدية بالقدس والنظر اليها من منظور سياسي بحت لا منظور خدماتي.
التعامل مع الأمر الواقع
وعلى صعيد لآخر فإن هناك من يعتقد بأن من الممكن التعامل مع الأمر الواقع بالقدس ولكن بدون اقحام الحركة الوطنية الفلسطينية بالمدينة أو قيادة م ت ف أو السلطة الفلسطينية في هذه الانتخابات، وبدون إعطاء إسرائيل ترف الادعاء بأن جدار رفض المشاركة بالانتخابات قد انهار، أو إعطاء الفرصة لليمين والتطرف اليهودي لاستغلال مشاركة العرب لحث اليهود للتوجه الى صناديق الاقتراع بشكل استفزازي. فالأخ المحامي وليد تايه وبالرغم من أنه يقيم بالقدس العربية المحتلة منذ 44 عاما كما يقول إلا أنه، وكما يقول برسالته أيضا، إسرائيلي الجنسية بالولادة. وبالرغم من أن ليست لدي الإحصاءات الدقيقة إلا أن المصادر التي استطعت أن أتوصل اليها تقول بأن عدد الأخوة من الداخل حملة الجنسية الاسرائيلية الذين يقيمون بالقدس بشكل دائم يتراوح بين 11 – 15 ألفا ً، وهناك حوالي عشرين ألفا ً من سكان شطر بيت صفافا الذي خضع لإسرائيل منذ 48 ويحملون الجنسية الإسرائيلية، وهناك أيضا ً المقدسيين الذي حصلوا على الجنسية الإسرائيلية والذين تتضارب التقديرات حول عددهم فبينما يقول البعض أن عددهم لا يتجاوز ال 15 الفا يُصر البعض الآخر على أن عددهم تجاوز ال 30 ألفا ً وأن الحصول على الجنسية الإسرائيلية كان يجري بتحفظ وكتمان. ويمكن القول بأن هناك حوالي خمسين ألفا من العرب يقيمون بالقدس ويستطيعون المشاركة في الانتخابات البلدية دون حرج سياسي.
ويضيف هؤلاء بأن بالتالي هناك امكانية للمشاركة في الانتخابات البلدية سواء في قائمة منفردة أو قائمة ائتلاف مع حركة ميرتس. وسواء كانت منفردة أو ائتلافية مع ميرتس فإن عليها أن لا تطرح نفسها كقائمة فلسطينية وأن لا تبحث عن شرعيتها في أروقة المقاطعة برام الله، وأن لا تُحمل المجتمع المقدسي الفلسطيني وزر عملها، وإنا تطرح نفسها كقائمة إسرائيلية عربية. وفي سياق الحديث عن فرضية وجود حوالي خمسين ألفا من العرب بالقدس يحملون الجنسية الإسرائيلية لا بد من الأخذ بالاعتبار إمكانية أن ينضم اليهم عدد من المقدسيين لأغراض شخصية تتعلق بأماكن عملهم كما حدث ويحدث مع بعض الموظفين والعمال منذ بداية الاحتلال كعمال وموظفي البلدية أو من يستغلهم أرباب عملهم ويبتزونهم للتصويت لحزب رب العمل. ولا أستبعد أن تعمل القائمة العربية على أن يقوم مثل هؤلاء بالتصويت لها، ولا أرى من المصلحة تسليط الضوء على مثل هؤلاء بل تجاهلهم.
بلدية مستقلة ... واحياء أمانة القدس
وأخيرا ً قد يطعن البعض بضرورة احياء مجلس أمانة القدس وتفعيله، ومع التذكير بأن المشكلة الرئيسية التي تواجه المقدسيين هي مشكلة التنظيم ورخص البناء وأن أمانة القدس لا سيطرة لها على ذلك، إلا أن موضوع أمانة القدس هو أكبر من مجرد الرد على الانتخابات البلدية الإسرائيلية وهو موضوع متعدد الجوانب، وإحياء الأمانة أمر حيوي ذو قيمة سياسية ومعنوية عالية جدا ً، وآمل أن أعالجه في مقال قادم قريبا ً.
وفي الخلاصة أقول:
لا يجوز أن تتدخل القيادة الفلسطينية في الانتخابات البلدية الإسرائيلية بالقدس وعليها أن تلتزم بالموقف التقليدي الذي درجنا عليه وهو أننا نرفض الاحتلال ونرفض إعطاء الشرعية لتطبيق قوانين الاحتلال على القدس العربية المحتلة.
لا ضير من مشاركة عرب الداخل حملة الجنسية الإسرائيلية بالانتخابات، فهذا شأن يتعلق بهم مع التأكيد بأن مشاركتهم ليست مشاركة فلسطينية وإنما بصفتهم مواطنين إسرائيليين.
وأخيرا ً، فإن على القيادة الفلسطينية وضع خطة وترويجها والعمل على انجاحها في المحافل الدولية سعا ً نحو تنفيذها ترتكز على مقولة أن الانتخابات البلدية هي انتخابات خدماتية، وتطالب إسرائيل بكف يد البلدية الإسرائيلية عن شرق القدس بصفتها أرضا ً محتلة لا تزال على طاولة المفاوضات باعتبارها احدى مسائل الوضع النهائي، وتمكين مواطني القدس العربية من انتخاب مجلس بلدي منفصل للقدس العربية ذو ميزانية وذمة مالية مستقلة مع كامل الصلاحيات بما في ذلك التخطيط والبناء والتعليم والأنشطة الاجتماعية، مع ابداء الاستعداد للمشاركة في مجلس تنسيقي ينسق بين مجلسي البلديتين في شطري القدس الغربية والشرقية كخطوة تهيء الأجواء لأية تسوية مستقبلية لموضوع القدس. وتحقيق وجود مثل هذا المجلس البلدي تحت سقف الوضع الراهن وبشكل مؤقت لا يتعارض مع احياء وتفعيل أمانة القدس باعتبارها امتداد للوضع الشرعي الذي كان قائما ً قبل احتلال عام 1967 الذي أبعد الأمين وعطل عمل مجلس الأمانة.