ربما لو كتبت كلمات ذلك العنوان قبل أشهر من تاريخه، سيوصف قائلها بالجهالة أو السذاجة في آن، وبأنه مظهر لـ "حلم يقظة" سياسية للبعض الفلسطيني، ولكن الحقيقة التي يمكن اعتبارها مطلقة، أن تلك الكلمات أصبحت هي الأكثر ترددا وانتشارا في داخل دولة الكيان، وبدأ تداولها من قبل قادة أمن سباقين، وبشكل مباشر دون وضعها ضمن تعابير التباسية لتحمل معان مختلفة.
وبشكل ممنهج ومتسارع تتطور حركة التفاعل والغضب الشعبي الكبير ضد "حكومة التحالف الفاشي" ومخططها العام، وخاصة ما يعرف منه بالتعديلات القضائية، ومحاولة أحزاب دينية الحصول على قانون اعفاء ما يعرف بـ "الحرديم" "المتدينين" من الخدمة العسكرية، سابقة لو تمت ستفتح باب جهنم ليس رفضا فقط للقرار، ولكن رفضا للخدمة العسكرية بذاتها.
مسار الحراك العام، ترك أثره المباشر على المؤسسة الأمنية بكامل مكوناتها، جيش، موساد، شاباك واستخبارات عسكرية، واتفاق جميع قادتها على أن مسار الخط الحكومي الراهن يقود الى خطر كبير، ويلحق أذى أخطر على قوة "الردع الإسرائيلية" ما لم يحدث لها من "أعدائها".
مواقف قادة المؤسسة الأمنية، لم تعد سرية ابدا، بل باتت جزءا من مناقشات الإعلام العبري، وصل بعضه الى الحديث عن "تهديد" من القيادة الأمنية رئيس الحكومة نتنياهو بأنهم لن يبقون متفرجين، ورغم النفي من البعض، لكن جوهر ما يتم نشره إعلاميا يحمل ذات المضمون، ما أدى الى أن يقطع نتنياهو "إجازته الخاصة" ليعود فورا الى مقر وزارة الجيش لعقد اجتماع طارئ، جوهره حجم الضرر والخطر في آن.
سابقا كان تناول المؤسسة الأمنية بسوء يمثل خطا أحمر، باعتبارها "المقدس الاعتباري" في دولة الكيان، وبعد تشكيل حكومة نتنياهو الأخيرة، فقدت كثيرا من هيبتها، بل وسطوتها "المعنوية"، حتى وصل بأحد المطلوبين جنائيا الذي بات وزيرا "بن غفير" ليعلن عن النية بتشكيل "حرس وطني" خاص، خارج صلاحية الجيش وتابع مباشرة له، سيكون قوامه من الإرهابيين والمستوطنين العنصريين.
دلالة الإعلان، مؤشر أن المؤسسة الأمنية لم تعد أبدا هي ذاتها ما قبل حكومة التحالف، ولذا أصبح التمرد الإعلامي واضحا، ولعل رد وزير الجيش غالانت على بن غفير الوزير في ذات الحكومة، كشف قضية جوهرية في التغيير الاستراتيجي الذي بدأ يتشكل بين مفهومين للأمن داخل إسرائيل، ثقافة المؤسسة الرسمية وثقافة "العصابة التي بدأت تحتل مكانة بارزة في المؤسسة الرسمية، في تحد صارخ للنظام السائد منذ عام 1948، وهي بداية عملية لزرع انشقاق موضوعي في الرؤية الاستراتيجية الأمنية العامة.
تسريبات مواقف القادة الأمنية، ليس خطأ إعلامي بل يمثل شكلا من اشكال التمرد المباشر، وخاصة مع نمو تأثير القوى التي تعتقد أن لها الحق في فرض رؤيتها الخاصة، ولذا لجأ قادة المؤسسة الأمنية الرسمية بالإعلام كسلاح رديف، في ظل نمو الغضب العام والخوف المتنامي من خطر تلك الأطراف "الإرهابية".
لم تعد الخيارات المتاحة أمام نتنياهو كثيرة، وخاصة مع تأييد أمريكا العلني لكل معارضي حكومته، إما البقاء مع تحالف الضرر الكبير الذي أصاب أفرع الجيش والأمن والاستخبارات، ورغم ما يحاول الظهور به من سيطرة وقدرة على التلون، لكن التطورات الأخيرة لم تمنحه كثيرا من فرص المناورات، وسيجد ذاته أمام خيارات محددة، الاستمرار مع تحالف "أعداء المؤسسة الأمنية" والغالبية الرافضة للتعديلات والمنهج الديكتاتوري، او انقلاب عسكري ناعم يقطع الطريق أمام "الحرب الأهلية"، الخيار الذي لم يعد بعيدا، بل يرونه "قريبا قريبا"، وربما كل تأخير في التغيير سواء بشكل عسكري أو خيار حكومي جديد سيكون قوة دفع لمنع تلك الحرب.
ملاحظة: شهادة جنرال إسرائيلي سابق اسمه ليفين حول عنصرية جيش الاحتلال، وما ارتكبه من جرائم حرب ضد الفلسطينيين، لازم ترجمتها بكل اللغات فهي خير اثبات على ما يقول أهل فلسطين..ومش غلط الرسمية تطلب شهادته أمام "الجنائية الدولية"..هيك مش محتاجين كثير تعب بس بدها حركة.
تنويه خاص: رحل أحد أبناء الثورة الذين خدموها طوال سنوات عمره، دون ضجيج كبير..رحل الفلسطيني أحمد شنيورة الذي حمل لقبا ساد "اللواء طارق أبو رجب"..وداعا يا طارق وداعا أيها المعطاء بلا صراخ...سلاما لكل من سبقك من جيل حاملي شعلة ثورتنا المعاصرة والخالدة أبدا.