أكثر من ثلاثة عشر ساعة على مدار يومين، كانت مدة الجلسات التشاورية بين حركتي فتح وحماس في الدوحة، تمخضت عن بيان اعتبرته الفصائل والمراقبون يحمل كثيراً من الغموض والمخاوف بأن تتجاور هذه المحاولة التصالحية الى جانب اتفاق مكة والشاطئ، وتسجل محاولة فاشلة إلى جانب الاتفاقات السابقة .

موقف الفصائل من اللقاءات :

ويرى طلال أبو ظريفة عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية ، أنه حتى الان لا يوجد شيء في محادثات الدوحة يمكن أن تتمكن الديمقراطية بناء موقف عليه،، موضحاً أن المؤشرات تقول أنه لا يوجد شيء جدي يبنى عليه ، وأن كل ما خرج عن اللقاء هو التصور العملي مع عدم وضوح أية من مضامينه ومرتكزاته التي بني عليها.

وأضاف أبو ظريفة أن المدخل لإزاحة العقبات في وجه المصالحة هي مشاركة الكل الفلسطيني، والجميع ينتظر من الوفدين وضعنا في ما جرى التفاهم عليه بشكل رسمي ، مضيفاً أن كل ما جرى وما خرج هو مجرد  اطار عام وأن المسألة تكمن في آليات التنفيذ وليست في الاطار العام .

وأكد أبو ظريفة أن الديمقراطية لا يمكن أن تكون معطلة لأي تفاهمات، لكن لا يمنع أن يكون هناك مخاوف أن تتوقف هذه التفاهمات عند أفق مسدود بعد التوقيع عليها يتم العودة لعملية التجاذابات الاعلامية كما حدث في اتفاق الشاطئ وغيره.

ورحبت الجبهة الشعبية على لسان عضو المكتب السياسي كايد الغول بأي لقاءات بين حركتي فتح وحماس الا انها لا ترى من واقع التجربة ان هذا الطريق قادر على اختراق جدار العقبات القائمة في وجه تنفيذ اتفاق المصالحة .

وبحسب " الغول" فإنه عادة ما كان يغلب على مثل هذه اللقاءات الثنائية محاولة الخروج من الوضع القائم من خلال اتفاقات عائمة او تأكيد على اجواء ايجابية فقط ، مضيفاً أنه كنا نجد  ترجمات الاتفاقات لا شيء على أرض الواقع وهذا ما خبرناه من اتفاق مكة والشاطئ.

ورحب عضو المكتب السياسي في حزب الشعب الفلسطيني وليد العوض بأي لقاءات حتى وان كانت ثنائية بين الطرفين، لأن الهم هي مصلحة الكل الفلسطيني.

وأضاف: أن حزب الشعب يدعم أي تحرك شبابي يساهم في انجاح المصالحة ومع فكرة مشاركة الشباب في حوارات المصالحة، ومع مشاركة المرأة أيضاً لأن لها دور فاعل في المجتمع لا يستطيع احد اغفاله .

ولا يعارض طلعت الصفدي عضو المكتب السياسي في حزب الشعب، من حيث المبدأ أي جهة ما فلسطينية او عربية من اجل انهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة، مضيفاً أن هذا لا يمكن من اجل حسابات خاصة بأي طرف لان الحسابات الخاصة التي لا تخدم القضية الوطنية نتائجها تكون عكسية.

ولفت أبو ظريفة إلى أن المشكلة لا زالت في الثنائية المخيمة على كل الحوارات واللقاءات حتى القوى مشاركتها غير قائمة حتى الان كما في اتفاق الدوحة الاخير .

ودعا "الغول " استكمال هذه اللقاءات بلقاء وطني أو قيادي مع القوى التي شاركت في التوقيع على اتفاق القاهرة من اجل البحث في اليات تنفيذ الاتفاق بعيداً عن الفهم الخاص لكل من فتح وحماس، وانطلاقاً لرؤية وبعد وطني ووصولاً للبحث الجدي للبرنامج السياسي وكيفية التصدي للمخاطر التي تواجه القضية والتي تزايدت بفعل ما يحدث بالإقليم والسياسات الاسرائيلية .

وعبر الصفدي عن استغرابه من تدخل قطر أو تركيا في الحوار بدلاً من ان يتحول حول القضايا التي تم التوافق عليها وفق القاهرة او الشاطئ ، لماذا يتم محاولة ادخال قطر او تركيا مع اننا نعرف علاقتهم بشرعنة الانقسام ومحاولة الوقوف مع طرف ضد الاخر.

مشيراً إلى  أنه عندما يتم تجاوز مصر في هذه المصالحة، لا يمكن ان تكون مؤثرة بالمعنى الحقيقي لان قطر وتركيا بعيدة عن فلسطيني والجميع يدرك العلاقة التركية الاسرائيلية ..

وأضاف :" الكل مجمع على ضرورة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وموضوع الانتخابات، مدركاً أن هذا لا يكون في يوم وليلة ويحتاج لوقت ويحتاج لخلق مناخات ملائمة حتى تستطيع ان تقوم بدورها وحكومة الوطنية لا يمكن ان تكون فقط للضفة

ويرى أبو ظريفة أنه من منطلق أن الشباب هم جزء رئيسي من المكونات المجتمعية ويتحملون عبأ رئيسي في اطار هذه الانتفاضة ، طالبت الديمقراطية ان يكونوا جزء رئيس في اطار القيادة الموحدة في انتفاضة، مشيراً إلى أنه يجب تعزيز موقع الشباب في مراكز صنع القرار و ان يكونوا جزء من أي اطار وطني تبحث  فيه استعصائات المصالحة.

وأضاف أن المرأة أيضاً رئيسي وأساسي ويجب أن يكون لها دور في أي حوارات قادمة والديمقراطية تؤيد ذلك، لافتاً أنه يجب ان يؤخد في الاعتبار وجود الشباب والمرأة، وهذا معطل بسبب الانقسام ومن هنا تأتي  المعضلة في مشاركة القوى فما بالك الشباب والمرأة .

حاجة ومصالح لابد ان تتحقق المصالحة من أجلها

ويرى الكاتب والمحلل السياسي حسن عبدو أن الجديد في هذه اللقاءات هو المعطيات الواقعة التي ينطلق منها كل من فتح وحماس، موضحاً ان حماس في مأزق ولم تستطع أن تغير من علاقتها مع مصر، وبقيت العلاقة مغلقة، كما أنها لم تستطع أن تنجز اتفاق من خلال تركيا وقطر لإيجاد ممر بحري لتخفيف الحصار، ولم تستطع استبدال السعودية بإيران وبقيت ايران تدير ظهرها لحماس ، مضيفاً أن الموارد الشحيحة في قطاع غزة وفرض الضرائب لن يفي بالغرض، و كل هذا يدفع حماس من واقع مصلحة الحركة ان تذهب باتجاه المصالحة.

وأضاف عبدو :" حركة فتح تعاني أيضاً تهديد وجودي في الضفة الغربية وأن مشروعها للتسوية انتهى عملياً بفعل يمينية الشارع الاسرائيلي والانتفاضة غير المسيطر عليها في الضفة قد تذهب في مسارات لا تتماشى مع اهداف السلطة في الضفة ، كل ذلك يدفع السلطة من واقع المصلحة الذاتية للذهاب نحو المصالحة ، لافتاً إلى أن المشهد الحالي يدفع الطرفين من خلال مصالحهم الشخصية وليست فقط الوطنية للاتجاه نحو المصالحة,

ويرى الدجني  ان الوضع الاقليمي والدولي وضع داعم للمصالحة، وهذه الفرصة لا تتكرر كثيراً والانتفاضة الشعبية تشتعل ،وهناك تحول في اداء المقاومة، مضيفاً أن هذا يدفع القيادات لان يكونوا على قدر المسئولية وتغليب الصالح العام على الشخصية .

وفي تقدير" عبدو" أن الجميع اليوم بحاجة لاتفاق مصالحة في ظل اهمال اقليمي ودولي، وهذا يتطلب ان نتحرك بأنفسنا .. كل ذلك يجعل الشكوك حول ما جرى في الدوحة و أن خفض سقف التوقعات بمحله.

ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني، ان التجارب السابقة تدفعنا لعدم الافراط في التفاؤل، وتكمن الاشكالية في هل سيوافق أم لا يوافق كل فصيل وما هي تحفظات كل منهم، مضيفاً أنه من المبكر أن نحكم بأن الحوار قد نجح والحكم يحتاج للوقت.

وأضاف الدجني:  المصالحة ستخفف عليهما الاعباء ولكن هم بحاجة لأن تكون النية حاضرة موضحاً أن  صراع البرامج هو الذي يطغى هل سيتم اعتماد برنامج منظمة التحرير أم برنامج المقاومة، و إن نقطة الالتقاء هي الاهم، وبيان الفصائل الذي صدر في 7 فبراير أوضح ان الارضية المناسبة هي  برنامج وثيقة الوفاق الوطنية وفق اتفاق مكة.

مخاوف عقبت بيان الدوحة

وعبر " الغول " عن مخاوفه من بيان الدوحة عشية انتهاء جلسات وفدي فتح وحماس، خاصة بما يتعلق بعودة الوفدين لمشاورة قيادتهم، وهذا يعني أننا لسنا أمام اتفاق نهائي ، على حد تعبيره، مضيفا أنه ربما ستنتج عقبات اثناء البحث من أي  طرف، فيما تم التوصل اليه برغم من ان كل الامور تشير على التركيز على حكومة الوحدة الوطنية - التي يجب قبلها أو اثناء عملها- حل مشكلة الموظفين وربما يكون البحث الاخر له علاقة بالواقع الفلسطيني .

ويرى الغول أن المصطلح ليس غامضاً انما ارتبط بأن حركة حماس لم تُمكن الحكومة من العمل بغزة ارتباطاً بان مشكلة موظفيها لم تحل، و اذا حلت مشكلة الموظفين ربما نكون امام تمثيل عمل الحكومة متسائلاً : "هل هذا كل شيء ام سيتم البحث في ملفات اخرى ام ستكون الحكومة معرضة للعقبات ؟"

وفيما يخص غموض بيان الدوحة ، يعتقد الدجني هناك مواعيد ربما لم يعلن عنها ارادت فتح وحماس ان يعملوا بهدوء دون تدخل الاعلام لانه احيانا قد يفسد التوافقات من خلال ما يتم تسريبه

وأرجح الدجني أن زاوية الاحتياج ربما تغلب اكثر على الطرفين ، فحركة فتح تعيش ازمة حقيقية في التفكير بمرحلة ما بعد ابو مازن وخاصة في الايام الاخيرة والتساؤل حول من هو الرئيس القادم وتخشى ان يصبح هناك صراع على ذلك، كما أن حماس تعيش ازمة من خلال الحصار المطبق على غزة، وهي ايضاً بحاجة لحركة فتح.

واتفق عبدو مع الدجني والقيادات الاخرى في أن بيان الدوحة ينتابه الغموض،  والحديث يدور عن تصور عملي متسائلاً عن طبيعة التصور العملي المذكور في البيان، موضحاً انه ما زال بحاجة الى موافقة الحركتين ومؤسساتهما .

ويرى ان ما جرى لم يكن بتفويض من كل فتح وحماس وهذا قد يعيق الاتفاق من خلال مستدركات جديدة للمفاوضات و خلق حالة جدل قد لا تثمر اتفاقاً حقيقياً ومن هنا يأتي موقف خفض التوقعات، مضيفاً ان يكون هناك فقرات غامضة تتحدث عن تصور مستقبلي باتفاق دون جدول زمني واجتماعات وتحديد مواعيد للموافقة، مشيراً إلى أنه لم يحدد سقف لموافقة كل فصيل وبهذا قد لا نسمع ردود على هذا الاتفاق، متسائلاً  عن المدة التي يجب انتظارها.