طمع وجشع التجار شيء يُزهق الروح ماذا يستفيد ابن بلدي من تجويعي؟".. بهذه الكلمات أعربت المواطنة فاطمة خليل 25 عاماً من داخل خيمتها بمدينة دير البلح عن استيائها من ارتفاع الأسعار في أسواق غزة المنكوبة والتي تعد تعجيزية بالنسبة لسكان يلف الفقر حبل مشانقه حول رقابهم دون رحمة في حرب مستعرة منذ عام ولم تخمد بعد.
تقول فاطمة لمراسلة وكالة "خبر": "عندما أمشي بجانب عربات الفواكه أبكي.. أبكي على حالي وعائلتي بعدما انحدرنا من أعلى قمة الرفاهية إلى أدنى مستويات الحضيض".
وأوضحت: "نحن أسرة مكونة من 9 أفراد نعيش في خيمة مهترئة نشتري حاجيات الطبخ بالحبة فرفاهية الشراء بالكيلو بعيدة المنال"، لافتةً إلى أنَّ الباذنجان أصبح سيد المائدة بديلاً عن اللحم فهو الأقل سعراً مقارنة بأسعار الدواجن واللحوم وبقية الخضراوات.
تشاطرها المأساة أم خالد "34 عاماً" وهي أم لأربعة أطفال ولا تستطيع تلبية رغباتهم حينما يشتهون نوع من الفواكه المفضلة لديهم أو حتى إعداد طعام لهم غير المعلبات، فقالت على استحياء: "منذ شهرين ونحن لم نتناول البندورة بسبب ارتفاع سعرها، فلا يوجد لديها مصدر دخل وإن توفر مبلغ بسيط لا نستطيع توفير أدنى حد من الأولويات".
لتتدخل طفلتها ذات السبعة أعوام ببراءة، فتقول: "والله معدتنا انهرت من علب اللانشون والحمص والفول".
إن نصل سكين الغلاء الفاحش يُفتت أكباد النساء اللواتي يجدن صعوبة بالغة في توفير أدنى متطلباتهن الخاصة بهن كَنِساء فهو طال أيضاً أسعار الفوط الصحية و الملابس الداخلية، وفي هذا الصدد تقول أم محمد والغصة تخنق دموعها: "قبل عدة أيام احتجت فوط صحية بشكل عاجل بسبب الدورة الشهرية، أرسلت ابنتي الصغرى بمبلغ 25 شيكل هكذا كان سعرها المتعارف عليه، يوم كامل وهي تبحث لي وأنا أُداري نفسي داخل الخيمة خشية التسريب على ملابسي".
وتابعت والقهر يملأ جوفها: "أتت طفلتي ودموعها في عينيها لأنَّ أصحاب البسطات لم يبيعوها فسعر الفوط ارتفع إلى 35 شيكل ولم يكن معها ثمنه وكانت قلقة عليّ"، مُضيفةً أنّها تخيط الملابس الداخلية الخاصة بها وبأطفالها الثلاثة لأنّها ليست لديها القدرة على شراء الجديد منها.
أما فيما يتعلق بقدرتها على توفير الطعام لأطفالها، فقالت: "أعيش في خيمة مع أطفالي وأرعاهم وحدي فزوجي مغترب، وأحاول قدر الإمكان جلب طعام جيد لهم وتلبية احتياجاتنا الضرورية لكن مع ارتفاع الأسعار مبلغ ال 600 شيكل الشهري لا يكفي لنا".
انهالت دموعها، وأردفت: "ذهبت إلى السوق فلم أجد شيء أستطيع شراؤه سوى خمس علب من جبنة المثلثات بمبلغ عشرة شواكل وهكذا أمّنت طعاماً لأطفالي لخمسة أيام".
"نحن ضحية للاحتلال والتجار الفُجار.. كلاهما سواسية"
عبر الهاتف جاءت تلك الصرخة التي أُجهِضت أمام الحرمان والقهر والعوز، أطلقها الغزي أبو محمد "35 عاماً" من شمال قطاع غزة الذين انتهج الاحتلال بحقهم سياسة التجويع وتجرّعوا مرارته منذ بداية الإبادة، ووقتما سُمِح بإدخال البضائع إليهم.
فظنّ الصامدون في ديارهم أن هنالك انفراجة لأزمتهم؛ لكن تلقّفتهم أيدي التجار ليستكملوا مهمة التجويع عبر احتكار البضائع ورفع أسعارها بشكل جنوني.
بسخرية دارى خلفها غصة القهر أجاب أبو محمد عن سؤال متعلق بآخر مرة تمكن فيها من شراء الخضار، قائلاً:" نسينا طعمها "شو يعني خضار، شو يعني لحمة؟ " آخر مرة تناولنا دجاج وخضار حينما انخفضت الأسعار قليلا في إبريل الماضي"
وشدّد على أنَّ الأسعار تعجيزية بالنسبة لأب ليس لديه مصدر دخل ثابت، يجوب الشوارع حاملاً البسكويت والسكاكر ليبيعها تحت نيران القصف المتواصل .
واستدرك: "الربح الذي أجنيه في اليوم الواحد لا يتعدى 15 شيكلاً فبالتالي أنا بحاجة ليومين عمل لشراء حاجيات وجبة غذاء مكونة من بقوليات ما بالك بالخضار ذات الأسعار السياحية".
خلال حديث عفوي أجريته مع عدة بائعين في سوق مدينة دير البلح حول هذا الغلاء المُفاجئ المخالف للقيم الإنسانية والدينية والذي يفوق القدرات الشرائية لأشخاص يقبعون تحت إبادة ممنهجة تنعدم فيها سبل العيش ولا يوجد حتى سيولة مالية كافية ليتدبروا أمورهم؛ فأجمع البائعون على أن السبب يعود بشكل أساسي إلى التجار الذين يجلبون البضائع مباشرة من الداخل المحتل و يضعونها في مستودعات خاصة بهم ويحتكرونها متحكمين بأسعارها دون رقابة، عبر بيعها لتجار أصغر بسعر مرتفع ثم بدورهم يقومون ببيعها لأصحاب البسطات بسعر أعلى يتناسب مع رغبتهم في تحصيل ربح فتصل للمشترين بهذا السعر كي يتمكن البائع من تحصيل فتات ربح.
من خلال سلسلة التجار هذه ينطحن المواطن الذي يحاول بشتى الطرق الصمود على أرضه لكن الكوابيس تأبى أن تنتهي وكأن الحرب ليست كافية.