منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لم يتوانى الاحتلال عن تنفيذ كافة أنواع الجرائم فلم يستثني الصغير والكبير، العسكري والمدني، الحجر والطير والحيوان، كل شيء في غزة مستباح وتحت مرمى هدفهم اللعين.
الاحتلال الذي جرَّب كل أنواع الدمار والقتل على شعب أعزل هذه المرة استهدف الأطفال على وجه التحديد كيف لا وقد وصل عدد الشهداء منهم إلى عشرات الآلاف، بالإضافة إلى أن النزوح في أماكن ضيقة هو حددها لهم تتمثل في الشريط الساحلي الضيق جنوب القطاع وحتى سواحل دير البلح وفي الوسط، فأصبح أعداد النازحين يُقدر بأكثر من مليون ونصف المليون خيامهم متراصة بجانب بعضها البعض وتفتقر لأدنى مقومات الحياة بالإضافة إلى أن الغزي يقوم بتصريف مخلفاته عبر حَفْرِ حُفرٍ في الأرض ومن ثم ردمها عند الامتلاء، ينتج عن هذه الحفر انتشار للحشرات والروائح الكريهة واختلاط المياه العادمة بالمياه الجوفية التي يعتمد عليها المواطن في شربه واغتساله وجميع أمور حياته.
تلوث المياه الجوفية أدى إلى انتشار الأمراض الجلدية التي لم يعهدها المواطن من قبل، بالإضافة لأمراض الجهاز التنفسي والهضمي وليت الأمر توقف عند هذا الجانب، بل إنَّ نزوح المواطن إلى أماكن خرج منها جيش الاحتلال واستقر فيها بعد أن كانت مسرحاً للعمليات العسكرية والتي يوجد فيها جميع أنواع الغاز والسموم والبارود الذي استقر وعلق بالجدران والتربة ومن ثم انتقل للإنسان عبر اللمس والتنفس مما أدى إلى انتشار الأوبئة.
يُذكر أنَّ أخصائيين وأطباء أكدوا أنَّ الاحتلال عمد على نشر الأمراض بين المواطنين، وخصوصاً الأطفال وهو نوع من أنواع الحروب التي يشنها على الشعب الأعزل.
وكالة "خبر" استطلعت وتجولت بين خيام النازحين والتقت بعوائل الأطفال الذين أصيبوا بالأمراض الجلدية والتنفسية العنيدة، حيث اتضح أنَّ ما بين عشرة خيام يوجد تسعة منها فيها أطفال مصابين، ما يعني أن هذه الأمراض تنتقل بين النازحين بالعدوى والتقارب .
"خلود أبو عايش"، تقول: "لديَّ ثلاثة أطفال، الكبير يبلغ 10 أعوام والصغيرة ثلاثة أعوام، أصيبت ابنتي الصغيرة بعدوى جلدية بدأت ببعض الحبوب الصغيرة كنت أعتقد أنها حساسية أو من ارتفاع درجات الحرارة أو من قلة الاغتسال نظراً لشح المياه، لكن هذه الحبوب أصبحت أكبر حجماً وتُسبب حكة شديدة لا تنام ابنتي طيلة الليل ولا النهار وهي تبكي، بعد الأسبوع الأول تغير شكل الحبة حتى أصبح أكبر وبدت حفرة داخل الجلد وكأنها تعرضت لحروق شديدة تنتفخ في بعض الأحيان وتمتلئ بالماء وبعد مدة تترك ندوبًا تشبه الجلد المحروق".
وحول إصابة ابنيها الآخرين، أوضحت: "أصيبا عن طريق العدوى من أختهم الصغرى، لكن لم أترك طبيباً ولا مركزاً صحياً إلا وتوجهت له وكل مرة يُخبرني الأطباء أنَّ ما أصاب أبنائي هو فايروس منتشر في الماء والهواء والاحتلال هو من قام بنشره عبر تلويث المياه والتربة".
وتابعت: "العلاج كان عبارة عن حبوب للحساسية بالإضافة لحقنهم بالإبر المضادة لهذه العدوى، وكان جسد أبنائي يستجيب للعلاج وتختفي الحبوب ولكن بعد مدة تعود هذه الحبوب لتغزو أجسامهم وفي أماكن أخرى حتي يئست".
ولفتت خلود، إلى أنَّ الأطباء أخبروها بأنَّ هذه الحبوب لا تزول بشكل نهائي طالما أنهم يعيشون في هذه الظروف، وهي ظروف الحرب والتلوث والغازات وستكون سبباً مباشراً لعدم شفائهم".
أطباء يوضحون
الطبيب خالد عبد الله، يقول: "يأتيني يومياً مئات الحالات للأطفال والكبار أجسادهم مليئة بالبثور الغريبة والكبيرة والصغيرة ومن شدة الألم الذي يشعرون به يقومون بحك المناطق المصابة بشكل هستيري فينتج عن ذلك ندوباً وجروحاً غائرة تحتاج لمضادات حيوية واسعة المجال، ويدخل المريض في حالة نفسية صعبة لا يستطيع النوم ولا ممارسة حياته الطبيعية".
مياه البحر ملوثة طول الوقت
ولفت الطبيب خالد، في حديثه لمراسلة وكالة "خبر"، إلى أنَّ مياه البحر تظل طوال الوقت ملوثة نظراً إلى أنَّ الناس يقومون برمي مخالفتهم فيه كل يوم بشكل متواصل، ولأن البحر هو منفد الأطفال الوحيد وحتى الكبار الذين يلجؤون إليه هاربين من حرارة الجو وقلة المياه للاغتسال.
وتابع: "نصحت المرضي وذويهم بالابتعاد عن الاغتسال بمياه البحر ووعدوني بأن يأخذوا بنصيحتي ولكن تفاجأت بأنهم قاموا بالسباحة مع علمهم ورؤيتهم للآخرين وهم يلقون المخالفات في مياه البحر، فيعودوا لي بعد أنّ عادت الحبوب لأجسادهم وأجساد أطفالهم، يريدون العقاقير والإبر غافلين دور الوقاية التي تأتي قبل العلاج".
العلاج :مياه معدنية
تقول إحدى السيدات اللواتي يقفن في طابور طويل أمام الصيدلية لصرف الدواء: "ابني لا يتجاوز السنة والشهرين منذ ما يزيد عن شهر وهو يتنفس بصعوبة شديدة أثناء النوم بالإضافة لظهور الدمامل الكبيرة والقاسية وقد أخبرني الطبيب أنّ أشتري له مياه معدنية مغلقة ليشرب منها ويستحم، والسبب أنَّ مياه الأبار غير صحية وملوثة وتسبب له التهابات الجهاز التنفسي مع ظهور الدمامل الكبيرة التي تظل على جسده لأسابيع، في الأسبوع الأول لا ينام الليل منها نظراً لأنها تكون قاسية ومؤلمة، وفي الأسبوع الثاني يظهر لها رأس أبيض وعلى الفور أقوم بتنفسيه وتنظيفه ومن ثم أضع المرهم الذي وصفه لي الطبيب، وحين ينقطع ابني عن العلاج تعود الحبوب للظهور مرة أخرى وبنفس المكان".
الاغتسال بمياه معدنية
عيسي هو أبٌ لطفلين أحدهما يبلغ اثنا عشر عاماً، والآخر ثلاثة عشرة عاماً، يقول لمراسلة وكالة "خبر": "أصابت جسديهما بثور ممتلئة بالقيح والصديد وبعد مدة تتحول لندوباً سوداء على الجلد، لم أترك علاجاً إلا واستخدمته، في الأسابيع الأولى تستجيب أجسادهم وتختفي تلك الحبوب ولكن ما أن تمر عدة أيام أخرى حتى تعود من جديد".
وأردف: "طلب مني الطبيب بالابتعاد عن المياه الجوفية المالحة وأنَّ يغتسل أبنائي بمياه صحية معقمه وشدّد على عدم السباحة في مياه البحر"، لافتاً إلى أنَّ ما أصاب أطفاله ناتج عن عدوى بكتيرية من آخرين وهم بدورهم يمكن أن ينقلوا العدوى لغيرهم.
يُشار إلى أنَّ النازحين على شاطئ البحر يقومون بتصريف المياه العادمة ومخالفاتهم في مياه البحر بشكل متواصل في الوقت الذي يقوم فيه الأطفال والكبار بالسباحة مما يساهم في انتشار الأوبئة والأمراض المختلفة إلى جانب إصابتهم بالأمراض المعدية.