هل ينجح ترامب في توحيدنا؟

thumb (1).jpg
حجم الخط

الكاتب: أشرف العجرمي


 

لم تنجح الحرب التي استمرت أكثر من خمسة عشر شهراً بكل ما حملت من مآسٍ وكوارث غير مسبوقة، ليس فقط في تاريخ الشعب الفلسطيني بل وفي التاريخ الإنساني المعاصر، في أن تدفع الفلسطينيين وخاصة الفصائل الوطنية والإسلامية للاتفاق على موقف موحد لمواجهة الآثار المدمرة لحرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل على الشعب الفلسطيني. وانقسمت الفصائل على الموقف من حكم غزة بعد الحرب وحتى حول المسؤولية هذه الكارثة، وهل نحن منتصرون أم مكلومون ونجلس على دمار هائل، نحتاج لعقود طويلة حتى نعود لما كنا عليه قبل هجوم السابع من أكتوبر.
من وجهة نظر حركة «حماس» هي تعتبر نفسها منتصرة كما جاء على لسان عدد من قادتها، وآخرهم أسامة حمدان الذي تحدث عن هذا النصر في «منتدى الجزيرة». والنصر يتجلى في عدم تحقيق إسرائيل لأهدافها المعلنة من الحرب بعد الصدمة الكبيرة التي تعرضت لها في السابع من أكتوبر من العام 2023، فإسرائيل أعلنت أنها ستقضي على حركة «حماس» وتزيل حكمها، وستحرر المحتجزين بالقوة، وستمنع أي تهديد مستقبلي من قطاع غزة. وهذه الأهداف لم تتحقق بشكل كامل، فالحركة لا تزال موجودة وتقوم باستعراضات مثيرة للجدل عند تحرير أي مجموعة من الإسرائيليين لديها ولدى الفصائل الأخرى. والأسرى والمحتجزون الإسرائيليون يتم تحريرهم في إطار مفاوضات وصفقة تبادل، ولا توجد ضمانة لمنع التهديد الأمني المستقبلي من قطاع غزة.
من الجهة الأخرى، يعتقد الكثيرون أن ما حصل في غزة هو خسارة كبرى غير مسبوقة في تاريخ القضية الفلسطينية، فهناك خسارة كبيرة في العدد الهائل من الشهداء والجرحى والدمار الذي طال كل وسائل الحياة في غزة، وفي تحول قطاع غزة إلى منطقة لا يمكن العيش فيها وتحتاج لعقود حتى تعود إلى ما كانت عليه. وحتى الزخم الدولي الذي حصل في الأشهر الأولى للحرب في مسألة الدعم الشعبي الهائل في مختلف أرجاء العالم للشعب الفلسطيني والتظاهرات الضخمة التي حصلت في كل العواصم والمدن الكبرى على نطاق دولي بصورة لم نشهدها من قبل، لم تتحول إلى قوة تأثير كبرى على السياسات الدولية. وبقيت المواقف الدولية أقرب إلى الدعم المعنوي دون تأثير حقيقي في مجريات الأمور. ولم ينجح هذا الدعم في ثني إسرائيل عن مواصلة حرب الإبادة ضد الفلسطينيين. بل إن قرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير حربه السابق لم يؤثر على سير الحرب، بل قاد إلى تعرض المحكمة الدولية إلى عقوبات أميركية. وكذلك الأمر بالنسبة للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بخصوص عدم شرعية الاحتلال وضرورة إنهائه. حتى عاد الرئيس دونالد ترامب للبيت الأبيض، وأوقف الحرب لأسباب تخصه شخصياً.
ولم ينته الأمر عند حد التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار بناء على صفقة تبادل الأسرى التي تم الاتفاق على تفاصيل مرحلتها الأولى. بدون أي اتفاق حول أفق سياسي محدد يقود إلى إنهاء الاحتلال وإنجاز الحقوق الفلسطينية، وخاصة في تقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة. حتى اعتراف بعض الدول الأوروبية لم يغير من الواقع كثيراً على رغم أهميته. وإنما جاءنا خطر كبير داهم هو مشروع ترامب لترحيل سكان قطاع غزة بالكامل، ونقلهم بالقوة إلى مصر والأردن ودول أخرى، والاستيلاء على القطاع باعتباره مشروعاً عقارياً استثمارياً يعود لمن يستطيع السيطرة عليه. وفي هذا الإطار يرى ترامب أنه من المفروض أن يتحول إلى ملكية الولايات المتحدة.
مشروع ترامب في الحقيقة جعل الفلسطينيين يصحون على واقعهم المأساوي والخطر الداهم الذي يتعرضون له، سواء في المشروع الاستيطاني الذي يتقدم بصورة سريعة ومكثفة في الضفة الغربية، نحو عملية ضم واسعة لأراضي الضفة التي تشكل جوهر المشروع الاحتلالي الإسرائيلي، لمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة، ولتحقيق حلم إسرائيل الكبرى التي لا مكان فيها للفلسطينيين كمواطنين متساوي الحقوق مع اليهود الإسرائيليين. وهذا يلقى دعم الرئيس ترامب الذي يرى ضرورة توسيع مساحة إسرائيل ويوافق من حيث المبدأ على ضم مناطق في الضفة إلى إسرائيل، أو عملية التهجير التي يحاول تطبيقها بالقوة وفرضها حتى على دول الجوار التي تتعرض لتهديد بقطع المساعدات عنها.
الآن يبدو أن الفصائل الفلسطينية باتت تدرك في أي وضع نحن، حتى في ظل الخلاف على معايير النصر والخسارة. فحركة «حماس» الآن تعلم أنه لا مستقبل لقطاع غزة تحت حكمها، وأنه لا يمكن إعماره إطلاقاً في ظل سلطتها، ووجودها في الحكم سيكون مبرراً لإسرائيل لمواصلة عدوانها على القطاع وتطبيق خطة التهجير القسري للمواطنين. والقيادة الفلسطينية وباقي الفصائل لديها نفس الفهم، حتى الدول الشقيقة التي تتعرض لضغوط أميركية هي الأخرى تتلمس المخاطر الكامنة في مشروع ترامب على الأمن والاستقرار في المنطقة كلها، عدا عن أنه يمس بقضية العرب الأولى وبحقوق الشعب الفلسطيني. وفي هذا السياق تتجه الأمور نحو مواجهة عربية أميركية حول هذا المشروع. وتقود مصر هذه المواجهة من خلال السعي لإنجاز خطة قابلة للتطبيق تتعلق بحكم غزة في الفترة ما بعد وضع حد نهائي للحرب. وهي تقوم على أساس إنشاء جسم إداري تابع للحكومة لإدارة العمليات الإنسانية وإعادة الإعمار في القطاع، تمهيداً للعودة الكاملة للسلطة الفلسطينية لحكم غزة، في ظل دعم عربي ودولي لبناء وتقوية مؤسسات السلطة. وهذا سيكون مرتبطاً بالجهود التي تتم في إطار التحالف الدولي من أجل تطبيق حل الدولتين  الذي تقوده المملكة السعودية والسداسية العربية. وهناك بوادر مشجعة تصدر عن الفصائل بخصوص الخطة المصرية، فهل ننجح في التوحد تحت طائلة التهديد الخطير الذي يعصف بنا؟