توجه مجموعة من الشبان الدروز إلى مكاتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس، بهدف الاحتجاج على هدم بيت أحدهم، والمطالبة بمساواتهم بالشبان اليهود، الذين يحصلون على مساكن وتقديمات أخرى من قبل الحكومة بعد انتهاء خدمتهم في الجيش الإسرائيلي.
فما هي مشكلة الشبان الدروز مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وهل تحل خطط الحكومة المشكلة في حال بناء وحدات سكنية للدروز على أراضي حطين ونمرين في الجليل الفلسطيني، بعد أن تم تهجير سكانهما منهما بالقوة في عام 1948؟ ولماذا يرفض دروز فلسطين هذا المشروع؟
تعود مشكلة المواطنين الفلسطينيين الدروز من سكان فلسطين مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، إلى أن تلك الحكومات، ومنذ عام 1948، أخذت تقضم بعض أراضيهم، تماما كما أخذت تقضم بعض أراضي المواطنين الفلسطينيين الآخرين. وعلى الرغم من تحويل أملاك الفلسطينيين الذين تم طردهم بالقوة من مدنهم وبلداتهم وقراهم (نحو 530) إلى ما يسمى بلجنة أملاك الغائبين، بادعاء المحافظة عليها، فإن القضم والمصادرة بحجج شتى لم توفر مساحات واسعة من تلك الأراضي. وتشير المعلومات إلى أن نحو 80٪ من أراضي المواطنين الدروز تمت مصادرتها، وأخذت البلدات والقرى الدرزية كغيرها من البلدات العربية في فلسطين تكتظ بالسكان وتقل المسطحات التابعة لها، وأنه من أندر الحالات التي كان يسمح للمواطنين العرب الفلسطينيين ببناء بيوت جديدة، وعلى الرغم من ازدياد عدد السكان الفلسطينيين في فلسطين المحتلة في عام 1948 إلى عشرة أضعاف ما كانوا عليه في أيام النكبة الأولى، أي أن عددهم أصبح نحو مليون ونصف المليون نسمة، بعد أن كانوا نحو 150 ألف نسمة، وهذا تطلب زيادة في عدد الوحدات السكنية ويتطلب مساحات من الأراضي يمكنها أن تستجيب لطلبات بناء مساكن جديدة، وهو ما لم يتم توفيره بالشكل المناسب والمطلوب.
وتشير الإحصاءات إلى أن نحو 90 ألف وحدة سكنية في الجليل والمثلث، وفي النقب مهددة بالهدم بحجة بنائها من غير ترخيص. في ما يتعلق بدروز فلسطين الذين يصل عددهم إلى نحو 120 ألف نسمة، والذين يسكنون في الجليل، فإنه تم فرض التجنيد الإجباري على شبانهم منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، إلا أنهم وبعد إنهاء خدمتهم، فإنهم لم يحصلوا على الامتيازات نفسها التي حصل عليها الجنود اليهود. لذا فإن حركة الاحتجاج وعدم الرضا أخذت تنمو وتزداد مع الأيام في الأوساط الدرزية، خصوصا وأنه تمت مصادرة المزيد من مساحات واسعة من أراضيهم لمصلحة المستعمرات الصهيونية، ولم تسمح لهم ببناء مساكن جديدة، إلا في أندر الحالات، تماما كغيرهم من الفلسطينيين، كما تم هدم عشرات البيوت لهم بحجة عدم الترخيص أيضا.
في محاولة فريدة من نوعها، أقرت الحكومة الإسرائيلية الحالية خطة لبناء بلدة للدروز على أراضي قريتي حطين ونمرين، بعد أن كانت إسرائيل قد طردت سكانهما الأصليين منذ عام 1948. وهذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها الحكومة بناء قرية أو بلدة للعرب الموجودين لديها. إلا أن الأمر أثار استغراب واحتجاج ورفض قيادات درزية مهمة وعديدة، ليس من منطلق أنهم يرفضون بناء مساكن جديدة لهم، بل لكون البناء سيتم على أراضي فلسطينيين آخرين، تم تهجيرهم بالقوة وعلى أراض كانت مسرحا مهما لمعركة حطين التاريخية التي انتصر فيها المسلمون على الإفرنج في عام 1187 بقيادة القائد صلاح الدين الأيوبي، وهذه الأراضي تحمل قيمة رمزية وتاريخية مهمة لا تريد بعض القيادات الدرزية أن تتحمل وزر المس بها.
مشكلة أم حل؟
أما في ما يتعلق ببناء بلدة جديدة، فإن صالح طريف، على سبيل المثال وهو أحد وزراء حزب العمل سابقا، ذكر أنه لا يوجد أي درزي سيقبل العيش على أرض شخص آخر. كما أن فهمي الحلبي، عضو اللجنة المعروفية للدفاع عن الأرض والمسكن، ذكر أنه «لسنا ضد أي مشروع عصري وسليم يلتقي مع قيمنا الأخلاقية ولا يعتدي على أراضي مهجرين. لكن من تجاربنا في السنوات الأخيرة، فقدنا الثقة بالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وليس من شيمنا أن نأخذ أراضي الغائبين». أما الشيخ عوني خنيفس، رئيس اللجنة الوطنية للتواصل، فإنه وكما ذكر لوكالة الصحافة الفرنسية، رفع من سقف بعض المطالب، وأعلن ضرورة إعطاء قسائم للأزواج الشابة التابعة للقرى، وإعادة جميع الأراضي التي صادرتها حكومات إسرائيل المتعاقبة، وتوسيع مسطحات القرى الدرزية، ومساواتنا مع بقية الأقليات داخل إسرائيل، وإبطال التجنيد الإجباري المفروض عنوة على الدروز.
فما هي مواصفات المشروع الذي أقرته الحكومة الإسرائيلية ببناء بلدة للدروز على أراضي قريتي حطين ونمرين؟
يتضمن المشروع، كما جاء في وسائل الإعلام، بناء 400 وحدة سكنية في المرحلة الأولى من المشروع على أراضي القريتين المذكورتين، ويتم الاستمرار في البناء ليصل عدد الوحدات السكنية إلى نحو 2500 وحدة. أما في ما يتعلق بأراضي القريتين، فإنه وبحسب ما جاء في الموسوعة الفلسطينية في الجزئين الثاني والرابع، فإن قرية حطين تقع إلى الغرب من مدينة طبريا على بعد 9 كيلومترات منها، وترتفع بعض هضابها إلى نحو 125 مترا عن سطح البحر، وكانت مساحة أراضيها في عام 1948 تبلغ نحو 22764 دونما، وقد هجر سكانها جميعهم بالقوة من بيوتهم وأراضيهم من قبل القوات الصهيونية في عام 1948 إلى سوريا ولبنان، وآلت أراضيهم إلى الاحتلال الإسرائيلي الذي أقام عدة مستعمرات على بعض تلك الأراضي. أما قرية نمرين فهي تبعد 19 كيلومترا إلى الغرب من مدينة طبريا، وترتفع نحو 360 مترا عن سطح البحر. وكانت مساحة أراضيها تبلغ عند احتلالها نحو 12019 دونما. وآلت هذه الأراضي كغيرها إلى الاحتلال الإسرائيلي في عام 1948. واشتهرت أراضي القريتين بالخصوبة وبوفرة الينابيع العذبة فيهما، وكان الفلاحون فيهما يزرعون الزيتون والأشجار المثمرة الأخرى والحبوب والخضروات. وكان بعض أهالي نمرين يربون المواشي.
وقد أنشأ الإسرائيليون عدة مستعمرات في المنطقة واستولوا على كثير من مساحاتها، مع أنها آلت إلى لجنة أملاك الغائبين، المفترض فيها أن تحافظ على تلك الأملاك، إلا أنه وبحجج شتى وتحت تبرير بناء مشاريع عدة، فإن الكثير من أراضي القريتين وغيرهما تمت مصادرتها.
ما يجدر ذكره أخيرا، وجود اعتقاد لدى بعض اليهود بأن «الماشيح» في حال عودته فإنه سيعود إلى مناطق محددة في فلسطين من بينها، القدس والخليل وصفد وطبريا. ولذلك فإن هذا البعض من اليهود كثف وجوده وسكنه في تلك المناطق، كي يكون موجودا في حال عودة «الماشيح». لذا فإن طبريا ومنطقتها هي المرغوبة والمطلوبة لدى بعض اليهود.
ويمكن الإشارة إلى أن في الأوساط الدرزية من رحب بالمشروع الحكومي الجديد، واعتبره من الإنجازات لصالح حاضر ومستقبل الدروز. وتنتمي هذه الأوساط إلى حزب الليكود الصهيوني الذي يرأسه بنيامين نتنياهو. وهكذا وبدلا من أن تعيد الحكومة الاسرائيلية للدروز ولغيرهم من عرب فلسطين بعض أراضيهم المصادرة، كي يبنوا عليها مساكنهم ويتوسعوا في مسطحات قراهم وبلداتهم، فإنها تحاول زرع فتنة جديدة بين مكونات الشعب الفلسطيني المختلفة.