لا بد من الاعتراف أن لا جواب بسيطا عن سؤال: من أوجد ظاهرتي "القاعدة" و"داعش" ومشتقاتهما من الجماعات الإرهابية المتسربلة بالدين؟ خصوصاً إذا كان السؤال: ما هي الظروف التي أوجدت هذه الجماعات؟ لكن السؤال هو عن الدول التي أوجدت هذه الجماعات. ويمكن الحديث اليوم بشكل أساسي عن الولايات المتحدة الأميركية، ودول خليجية عربية، وباكستان، ونظام بشار الأسد السوري، ثم مناقشة موضوع تركيا، والمنعطف الجديد المحتمل بعد حادث تفجير مطار اسطنبول، أول من أمس الثلاثاء.
بات دور الطرف الأميركي، بمساعدة أجهزة مخابرات عربية وباكستانية في دعم "المجاهدين" في أفغانستان ضد السوفييت في حرب الثمانينيات، موضوعاً موثقاً بشكل جيد. وعلى سبيل المثال، نعرف الآن كيف ذهب الباحث الشاب، في نهاية عشرينياته آنذاك، فرانسيس فوكوياما، من مركز أبحاث "راند" الأميركي الذي يخدم عملية صناعة القرار، إلى باكستان والمنطقة الحدودية مع أفغانستان، وتوصيته بدعم "المجاهدين". وبحث فوكوياما حينها وكيف أجراه، موجود الآن على الإنترنت، ومؤرخ بأيلول (سبتمبر) 1980. وتناول مسؤولون أميركيون في مذكراتهم وخطاباتهم الأمر؛ فعلى سبيل المثال، تقول وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كيلنتون في جلسة استماع رسمية متلفزة: "يجب أن نتذكر هنا أنّ الذين نقاتلهم اليوم، قمنا بتمويلهم قبل عشرين عاما". وتشير أن لسان حال الأميركيين كان: "لنجند هؤلاء المجاهدين" و"رائع! ليأتوا من السعودية ودول أخرى... وبالتالي نستطيع هزيمة الاتحاد السوفييتي".
لم يكن نظام بشار الأسد السوري بعيداً تماماً عن التكتيك الأميركي، بالسماح لهذه الجماعات باستغلال الأراضي السورية طريقاً للدخول إلى العراق، عقب الغزو الأميركي في العام 2003. ولنتذكر أنّ جزءا كبيرا من التيار القومي العربي واليساري، كان يمجد نشاطات "القاعدة" في العراق، باعتبارها مقاومة ضد الغزو الأجنبي. وللتذكير، اشتهرت منطقة البوكمال، على الحدود السورية العراقية، كمعبر للمقاتلين الأجانب، لقتال النظام العراقي الجديد، وقتال الأميركيين والبريطانيين. وكانت إحدى أبرز اللحظات في موضوع "المعبر" السوري لتنظيمات السلفية الجهادية العام 2008، عندما هاجم الأميركيون جواً ما قالوا إنّها "شبكة لوجستية" لدعم "الجهاديين" في العراق. ورغم الاحتجاج السوري الرسمي ضد العدوان الأميركي على أراضٍ سورية، فإنّ مصادر، منها صحيفة "التايم" البريطانية، نقلت حينها أنّ تنسيقا سورياً أميركيا سبق الغارة الجوية (يبدأ الأمر بالدعم أو غض النظر، ويتحول إلى حرب).
ما حدث مع نظام الأسد (أو يُعتقد أنه حدث) يتشابه مع الوضع التركي (ربما مع تباين الدوافع). فبعد سلسلة اتهامات أن تركيا تغض البصر عن تحركات "داعش" إلى سورية عبر أراضيها، ربما تحاشيا لمواجهة معه، كما اتُهمت أنها تحقق مكاسب مادية من ذلك، وبعد تردد تركي رسمي في الدخول في حرب معلنة ضد التنظيم لدرجة إعلان الرفض، العام 2014، للقيام بعمل بري ضد قوات "داعش" التي دخلت بلدة "كوباني" الملاصقة للأراضي التركية، ورفضها الانضمام للهجوم الأميركي على التنظيم، قبل أن تعود وتبدأ بمساهمات محدودة في الحرب، خصوصاً بعد قيام الأخير بعمليات محدودة ضد الأتراك... الآن، مع هجمة مطار اسطنبول، وإذا ثبتت تماماً مسؤولية "داعش"، كما هو متوقع، يكون الأمر قد دخل المسار الأميركي- السوري ذاته. وهذا ما يعبر عنه سونر جاغابتاي، مسؤول برنامج الدراسات التركية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، بالقول إن الرد التركي سيكون "مطراً من الجحيم"، إشارة للحرب التي ستعلن.
بهذا يمكن رؤية أنّ الدول والأنظمة التي تعاملت مع تنظيمات "السلفية الجهادية"، حاولت إما توظيفها ودعمها، أو على الأقل غض النظر عنها، بما يؤدي لتسهيل عملها، مقابل تحقيق فوائد سياسية أو اقتصادية، أو على الأقل هروباً من مواجهة معها. لكن النتيجة دائماً هي انقلاب السحر على الساحر، أو أنهم "يصنعون الوحش".
المشكلة الأكبر أنّهم يتجهون لحلين دائماً؛ الأول، هو الحرب العسكرية. والثاني، محاولة ترويج تصور مختلف للإسلام، من دون الاعتراف أنّ هذين الأمرين غير كافيين، بل المطلوب أيضاً حل مشكلات سياسية وصراعات كثيرة في العالم، بدءا من نظام دولي جديد يتقبل التغيرات المطلوبة عالميا بعد الحرب الباردة، ويتولى مواضيع الإصلاح الداخلي في الدول، بعيدا عن الهيمنة الأميركية، وينهي قضايا مزمنة مثل المسألة الفلسطينية.
عن الغد الاردنية