ما أخّر مصادقة الحكومة الإسرائيلية على ميزانية الدولة العبرية لعامي 2017 ـ 2018، هو محاولة وزراء الحكومة الحصول على المزيد من أموال الميزانية لصالح وزرائهم، خاصة وزارتي الصحة والتعليم، لذلك استمر النقاش والجدل الساخن طوال 21 ساعة متواصلة بما فيها ليلة الجمعة الماضية، وذلك بعد انصياع وزراء الحكومة لهما، في اطار تسوية يتم بمقتضاها، زيادة 3 مليارات شيكل تمويلاً، وتعهد بزيادة عدد الأسرة في المستشفيات بـ 2100 سرير إضافي، بينما ستزداد ميزانية التعليم بما مقداره 4.7 مليار شيكل ليبلغ اجمالها 57 مليار شيكل، ما يسمح بتخصيص بناء 17.000 صف دراسي جديد.
من الملاحظ بعد قراءة سريعة على بنود هذه الميزانية للعامين القادمين، أنها اعتمدت بشكل أساسي على جوهر المشروع الذي تقدم به وزير المالية كحلون، وهو يتعلق بالهدف المركزي: «التنمية خاصة في المجال الاجتماعي» من خلال تشجيع الاستثمار، وتشجيع المنافسة وخفض غلاء المعيشة، وخلق موارد جديدة من خلال تشجيع الخصخصة الإنتاجية وتحفيز عائدات الضرائب.
ويلاحظ في هذه الميزانية، أنها لجأت إلى بنود «سلبية» أي التوقف عن دعم بعض التوجهات الاقتصادية السابقة، منها: إغلاق ماكينات القمار التي تديرها «مفعال هبايس» ووقف المراهنات المحلية على سباقات الخيول بالخارج، ومقابل هذه البنود السلبية، هناك توجهات تعتبر إيجابية: زيادة المنافسة في سوق التلفزيون وتخفيف القيود على استيراد الالكترونيات ومستحضرات التجميل، وتطبيق مزايا ضريبية لتشجيع الاستثمار في قطاع «الهايتيك» التكنولوجيا عالية المستوى.
ومع أن مشروع الميزانية الذي تمت المصادقة عليه من قبل الحكومة، لعامين متتاليين، إلاّ أنه عالج كل عام على حدة، إذ بلغت للعام 2017 554.1 مليار شيكل بينما بلغت 463.6 مليار شيكل للعام 2018، في حين بلغت نسبة التقليصات في وزارة الجيش 4 مليارات شيكل للعامين القادمين، وخلافاً للتقديرات الأولية، فقد بلغت نسبة العجز 2.9 بالمئة وهي أعلى مما تم تقديره سابقاً، مع تقليصات بنسبة 2 بالمئة من الوزارات التشغيلية.
وحسب القانون الإسرائيلي، فإن على الحكومة عرض الميزانية المصادق عليها من قبلها على الكنيست بحلول موعد أقصاه 31 كانون الأول، وفي الحالات الطارئة ليس أكثر من ثلاثة أشهر من تاريخ مصادقة الحكومة عليها، علماً أن الكنيست الآن في إجازة.
ويلاحظ هنا، أنه بموازاة منافسة الحكومة للميزانية، «عمدت» بعض الوزارات، كالصحة والتعليم، إلى تشجيع إضرابات، بهدف الضغط على الحكومة للاستجابة لمتطلباتها بزيادة ميزانيتها، وهذا ما حدث بالفعل، إلاّ أنه من المستغرب، أن تشجع وزارات موظفيها على الإضراب لمثل هذا الهدف، إلاّ أن الأمر يبدو عادياً لدى الدولة العبرية.
وخلافاً لنقاشات سابقة، في ظل حكومات سابقة حول الميزانية، فإن 21 ساعة من النقاش المحتدم داخل الحكومة حول الميزانية، لم يكن ليهدد بوجود خلاف يؤدي إلى عدم المصادقة على الميزانية، وأيضاً، وخلافاً لنقاشات الكنيست سابقاً، للمصادقة على مصادقة الحكومة على الميزانية، فليس هناك ما يهدد بعدم تمرير هذه الميزانية في الكنيست، حيث ستعقد جلسة خاصة بعد انتهاء الإجازة، علماً أن عدم تمرير الميزانية من قبل الكنيست، وهو أمر غير متوقع بتاتاً، فإن هذا يعني انتخابات مبكرة، وهناك حكومات إسرائيلية سقطت، وانتخابات مبكرة عقدت في الماضي، بسبب عدم تمرير الكنيست للميزانية، ولهذا الأمر مغزى بالغ الأهمية، وهو أن حكومة نتنياهو، رغم كل ما يُثار، أكثر استقراراً من حكومات سابقة، الأمر الذي يعني أن نتنياهو انتزع لقب «ملك إسرائيل» من الملك السابق شارون!
كان صوت المعارضة، أثناء نقاش الميزانية من قبل الرأي العام، إذ أن الميزانية لم يتم نشرها بعد، كان صوتاً هادئاً، باتهامات عادية غير مقنعة أو مجدية، وعلى الأصحّ، لم تكن هناك معارضة حقيقية للميزانية، النائب شيلي يحيموفيتش، تعلّق على المصادقة على الميزانية قائلة: إن وزراء الحكومة لم يقرؤوا الميزانية، وفي الغالب فإن كل وزير قرأ ما يخص وزارته، ولكن يمكن القول، أيضاً، أن أقطاب المعارضة لم يقرؤوا هذه الميزانية، وإلاّ لوجدوا أن هناك الكثير الذي يمكن قوله.
التقييم الاقتصادي الدولي، للاقتصاد الإسرائيلي، مع نشر الميزانية الإسرائيلية والمصادقة عليها، كان إيجابياً، شركة الائتمان الدولي «موديز» أبقت تصنيفها الائتماني للدولة العبرية (A1)، مع توقع لاقتصاد مستقر، ومع أن الشركة أشارت إلى مكانة الاقتصاد الإسرائيلي، إلاّ أنها عمدت إلى التذكير بقيود تحدّ من الاقتصاد الإسرائيلي، وأسمتها مخاطر «جيو سياسية» ولعلّ في ذلك التذكير بجهود المقاطعة لإنتاج المستوطنات، والمقاطعة الدولية (BDS)!!
قراءة لما يحدث قد لا تُعجب البعض وأرجو أن أكون مخطئا ً!
14 أكتوبر 2023