(المرأة الشبح) نساء بلا أسماء أو صور في البلديات!

12671710_802310176571669_8610025358662011711_o
حجم الخط
 
        هال الكثيرين إلى حد الصدمة الأخلاقية والدينية والحضارية بعض التراجع المتعلق بدور المرأة، خاصة في ظل بعض ما حدث في مجريات الانتخابات البلدية وترشيح القوائم.
 
           حيث وجدنا التغني بدور المرأة باعتبارها أستاذة وطبيبة وسفيرة ووزيرة ومديرة ومناضلة من الجميع ، ومن المنظمات الاسلاموية (التي تفترض عدوانا تمثيلها الحصري للإسلام) أو من تلك المنظمات النسوية التي لطالما عقدت الندوات والورشات لتبحث في حقوق المرأة وتدعم دورها.
 
       رغم التغني برزت ظواهر الاستبعاد والإقصاء للمرأة ما هال البعض، ولم يفاجئني حجم التراجع المجتمعي في البيئة العربية والبيئة الفلسطينية ، ما تم التعبير عنه في القوائم المترشحة للبلديات في فلسطين كدعاية فيما يتعلق بالمرأة من مثلا عدم ذكر اسمها بالمرة! أو القول (زوجة فلان الفلاني) أو أخت فاضلة، أو ابنة فلان الفلنتاني، أو استبدال صورة المرشحة بوردة أو رمز! ليدلل بشكل صارخ على التراجع الكبير.
 
        قلت أن ذلك لم يفاجئني رغم أنه صدم الكثيرين لأسباب منها أن ثقافة المجتمع (العربي) هي أصلا ثقافة محافظة ذات طبيعة ماضوية تقدس شخصيات محددة في القرية مثل إمام المسجد والمختار(العمدة) والأب ليصبح ما يقوله وكأنه فتوى أو آية قرآنية تتحدى كل النظريات أو الأفهام الحقيقية للدين الإسلامي الحنيف.
 
        إن التراجع في النظرة للمرأة من قبل الرجل، ومن قبل المرأة لنفسها مرتبط بالتربية الالحاقية الاستتباعية للفكر السلفي الماضوي من جهة ، وللفكرة الاستتباعية التي تغلف بها المرأة في علاقتها مع الرجل والتي أصبحت أكثر تغلغلا في المجتمع العربي والفلسطيني انعكاسا لتغلغل فكر التيارات الاسلاموية الظلامية في المحيط المضطرب، وفي فلسطين.
 
       كتبت د.مي كيلة سفيرة فلسطين في إيطاليا والقيادية الفلسطينية مقالا بعنوان المراة والانتخابات البلدية منتصرة للدين الاسلامي والدين المسيحي ولسماحة الاديان في التعامل مع المرأة ودورها المعتبر، ومستهجنة بعض المظاهر غير الحضارية مما نناقشه في هذا المقال لتخلص بالقول بضرورة تكريس (الحريه ، الديمقراطيه ، احترام الفرد ، والتعدديه الدينيه والفكريه) مضيفة (ولا ننسى بان أحد  معايير تقدم الشعوب  حسب المعايير الدوليه هو تطور المرأه ، احترامها ومشاركتها في الحياه السياسيه والاجتماعيه.)
 
تقول الكاتبة هنادي الطريفي ردا على منشور كتبناه بهذا الشأن ما أنقله باحترام لهذا القلم الأنيق والنشط: ((هناك معوقات للمشاركة السياسية للمرأة في الحياة العامة تعود لأسباب بنيوية مجتمعية، همشت دور المرأة وأعتبرت دورها دورا مكملا لدور الرجل أو لتعزيز دوره وكأنها الظل الذي يمشي خلفه ليختفي في الضوء وعند إنبلاج الحقيقة وهذه الأسباب تتلخص بما يلي: البناء الاجتماعي بناء تقليدي يتميز بهيمنة السلطة الأبوية بمساندة من المؤسسات الاجتماعية الأسرية والدينية والاقتصادية والتعليمية والسياسية التي تعزز الأدوار التقليدية للنوع الاجتماعي. فعلى الرغم من التغيرات التي طرأت على وظائف الوحدات التقليدية (كالأسرة والعشيرة أو القبيلة و العائلة)، لا تزال هذه الوحدات تلعب دورا مركزيا في حسم كثير من مظاهر المشاركة السياسية لصالح الرجال وتهميش دور النساء. فتفتقر النساء إلى الدعم المالي والمعنوي في حملاتها الانتخابية وعدم توفر دعم من القيادات السياسية غير الرسمية ومحدودية حركتها داخل المجتمع.))
 
وتضيف أيضا ((الثقافة السائدة ،ثقافة تقليدية ومحافظة، تعتمد على منظومة قيم وعادات وتقاليد ترسم صورة نمطية للمرأة عن طريق التنشئة الاجتماعية وتحدد المعتقدات الثقافية ما هو مناسب وغير مناسب لأدوار الرجال والنساء. فالمناسب للنساء هو اهتمامها ورعايتها لأطفالها وزوجها وأسرتها ، وكذلك المناسب للرجال هو توليهم للمناصب والمراكز السياسية والتشريعية كما تتضمن الثقافة الاجتماعية نظره سلبية نحو عمل المرأة في السياسة وضعف مؤسسات المجتمع المدني مما يؤثر على دورها في تفعيل وتعزيز المشاركة السياسية للمواطنين ذكوراٍ وإناثا وأضيف ضعف الوعي السياسي لأفراد المجتمع بشكل عام والمرأة بشكل خاص حول أهمية مشاركة المرأة السياسية وكذلك تبعية المرأة الاقتصادية للرجل بسبب تدني مشاركتها في النشاط الاقتصادي وملكية الرجل للموارد والمصادر للدخل )) لتختم مداخلتها الهامة بالقول هناك ((عقلية ظلامية اقصائية جاهلية مازالت تغيب فكرة ان المرأة شريكة للرجل ،ومازالت النظرة للمرأة باعتبارها من يمثل شرف العائلة وحتى مجرد ذكر الاسم خطيئة)).
 
        لا غنى عن القول أن الاتجاهات الظلامية في الفكر الاسلاموي تجد لها اليوم منفذا استقطابيا هاما جدا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي على أهميتها تحرض في سياقها الظلامي على التمسك بالخرافات والأكاذيب وأحاديث العجائز والتي منها الحطّ من شأن المرأة باعتبارها تابعة للرجل، وقاصر وعاجز، ولا تشكل فردا سويا مستعينين بعديد الأحاديث الشريفة المنسوبة للرسول وهو منها برئ صلى الله عليه وسلم، أو يفسرونها وفق قاعدة التهميش والتصغير والحط الدائم من شأن المرأة.
 
        لن أخوض في هذه العجالة مطولا في هذا الأمر الذي سأفرد له دراسة طويلة مبينا عظمة الإسلام في نظرته وتعامله مع المرأة ، ووضاعة التأويلات والنُقولات المتعلقة بالمرأة في التراث الاسلامي ولكن سأضرب لكم هنا مثالا واحدا فقط :
 
       أنزلت من قترة تطبيقا في هاتفي النقال لأحد الأساتذة السعوديين الشباب حول الصلاة لأتأكد من أمر تفصيلي حول المسح على الرجلين ، فقرأت الكتاب فإذ به يضع من مبطلات الصلاة مرور كلب أو حمار أو امرأة من أمام المصلي؟ وأدهشني التتابع والتشبيه المقصود ، ولو ضمنيا نتيجة الربط المتسلسل للمنسوب له رواية الحديث، فبحثت عن الحقيقة لأصدِم بها وآلاف الأمثلة غيرها أولئك الظلاميين الذين يريدون المرأة ناقصة عقل ودين وما هي كذلك قطعا، ويريدونها تابعة وعاجزة وقاصرة ونصف مواطن، إذ عُرض هذا الحديث (حديث الكلب والحمار والمرأة) على عائشة رضي الله عنها فكان ردها الجميل المبهر هو (أتشبهوننا بالحمير؟!).
 
عود على بدء فكيف يليق بمجتمع عربي أو مسلم أو فلسطيني أن يحجب صورة أو اسم المرأة وهي المكرّمة ، ومع الرجل سواء بسواء وفق النص القرآني العظيم، ووفق وصايا الرسول الأخيرة قبل وفاته بالمرأة ؟ وكيف يليق بنا أن نهين أختنا أو أمنا أو زوجنا ونحن يوميا نتغنى بأسماء أمهات المؤمنين ليس بالقول فلانة زوجة محمد عليه السلام،  وإنما باسمها الصريح، فلا نخجل من ذكر اسمها، ولو كان الرسول عليه الصلاة والسلام قد نزل في عصر الحاسوب والصور لرأينا صور كثيرة ، وما هذا الطمس للاسم والصورة إلا عادات جاهلية سبقت الاسلام، وسار عليها المجتمع في عهود التراجع والتخلف.
 
        يقول موقع (إسلام ويب) في فتواه أن: ((كشف اسم الأم ونحوها من الناس ليس محرما ولا بدعة ، وإنما هذا أمر اعتاده كثير من الناس في العالم الاسلامي ... وليس هذا الأمر بممنوع شرعا ، فقد ذكر القرآن مريم باسمها كما قال تعالى (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين) (آل عمران 42))، وكذلك فعل النبي.
 
        وذات الموقع (السلفي) يجيز وضع صور المرأة الضوئية (الفوتوغرافية) في الأوراق الثبوتية ((وما يلحق بذلك من مصلحة شرعية ومن المصلحة المعتبرة مشاركة النساء بالانتخابات)) ورقم الفتوى هو 167755.
 
        أردت أن ابرز تلك الفتاوى "للسلفيين" أنفسهم –رغم خلاف كثير من علمائهم حول الصور– لأدلل لأولئك الذين ما زالوا يعيشون في ظُلمة التفسير أو التأويل المغلق أن هناك ما لا يعرفونه أو يُعرضون عنه حتى في مذهبهم .
 
        إن الاسلام دين رحب وفيه تنوع التفسيرات والاجتهادات ما يجعله دينا عظيما بحق ، وما لا يتفق مع الرأي الظلامي الذي يجب أن نحاربه في المجتمع.
 
        بلا شك أن هناك تقصيرا كبيرا لدى المنظمات النسائية التي تتجه نحو أمور يشعر المجتمع إنها غريبة عليه (سواء بالمضامين او طريقة الطرح) فيتلقاها كمن ينظر لشريط على قناة فضائية، أي دون تبني بالضرورة، وإنما من باب حب الاستطلاع ليضرب بما سمع أو رأي عرض الحائط لأن واقع المجتمع يضع حدا بين هذه الأفكار الجديدة وتلك القديمة المستقرة.
 
        تخطئ المنظمات النسوية عندما تركز فقط على الحصة النسوية (الكوتة) دون أن تركز على توعية وتثقيف وتأهيل الرجل والمرأة في البيت ومنذ المدرسة بحقوق المرأة التي قطعا تتفق مع ديننا الإسلامي الحنيف، وتلك مع ديننا المسيحي بالتفسيرات المستنيرة.
 
      وتخطيء المنظمات النسوية عندما تتعامل مع المنظومة القيمية المرتبطة ببرامجها المتعلقة بالمرأة كمطلق تسقطه على المستمعات من النساء من السماء، أي وهي تنهل من بيئة أخرى لأن هذه القيم أو الأفكار سرعان ما تتلاشى في ذهن المتلقيات عندما يفتي أحدهم أو يشير لهذه المنظمات أنها علمانية أو تستقي أفكارها من الغرب الكافر، أو أن حقوق المرأة شأن مستورد، ما يعني ضرورة الحوار الحقيقي مع النساء ومناقشة هذه الأفكار ضمن أسلوب وأولويات البيئة الاسلامية والعربية.
 
         ترتكب لجنة الانتخابات المركزية في فلسطين او غيرها خطأ فادحا عندما تقبل الترشح لأشباح من النساء لا يتم تعريفهن بأسمائهن، أو لا يتم تعريفهن إلا بأزواجهن أو أولادهن، أو بحيوان أو نبات أو رمز. (نفت اللجنة ذلك لاحقا حيث قالت: حسب قانون لجنة الانتخابات فإنه يجب كتابة اسماء المرشحين والمرشحات بشكل كامل "الاسم الرباعي" وهناك بعض القوائم قاموا بنشر اسماء مرشحيهم و لم ينشروا اسماء المرشحات وهذا مخالف للجنة الانتخابات ولا يمت لها بأي صلة.)
 
        لطالما رفضت أنا أن يُسمى أو تتم مناداة الرجل باسم ابنه بمعنى أن يُكني كأن يقال أبو أحمد وأبو اسعد وأبو خالد الخ، ما يعطي شعورا فارغا بالفخر، أو أنه أصبح محترما أو كبيرا،  فالله كرم الناس بأسمائهم، لذا نعرّف الرجل والمرأة باسمه الأول واسمها وليس بولده، أو ولدها أو زوجها.
 
       إننا بحاجة لثورة ثقافية حقيقية في المجتمع وإلا قد ندرك متأخرين كم من الأحبار سالت بلا ثمن، وكم من الأصوات بُحت بلا نتيجة، وكم من الظلاميين قد أصبحوا يحكمون مجتمعنا وبناتنا ونسائنا ورجالنا وشبيبتنا، ونحن عن تدفقهم في مجرى الدم فينا كالداء لاهون.