شكل فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية مفاجأة كبيرة خلافاً لكل استطلاعات الرأي التي أجريت قبيل الانتخابات والتي أظهرت جميعها فوز هيلاري كلينتون التي حصلت بالفعل على أصوات أكثر من تلك التي حصل عليها ترامب، ولكن نظراً لطبيعة النظام الانتخابي الأميركي الذي لا يقوم على الانتخاب المباشر للرئيس وإنما انتخاب ما يسمى المجمعات الانتخابية أي ممثلي الولايات المختلفة الذي عددهم 535 عضواً يمثلون الحزبين المتنافسين، ومن يحصل من المرشحين على 270 صوتاً أو أكثر من أصوات هذه الهيئة الانتخابية يفوز بالرئاسة، وهذا ما جرى مع ترامب. ولهذا ربما تحدث مفاجأة في اللحظة الأخيرة فيما لو جرى تغيير في تصويت الهيئة (المجمعات) الانتخابية.
وفي الواقع كان انتخاب ترامب أكثر من مفاجأة للكثيرين، كان بمثابة صدمة، من حيث كونه مرشحاً إشكالياً أثار الجدل كثيراً خلال حملته الانتخابية وكسر قواعد السلوك الانتخابي في تعرضه للأقليات والمهاجرين والمسلمين، وتصريحات سابقة حول النساء. وربما ما تحدث به حول السياسة الداخلية هو الذي ساعده في الفوز وخاصة موضوع تخفيض الضرائب على المواطنين وإلغاء مشروع التأمين الصحي للديمقراطيين وغيرها، وربما رغب الأميركيون في التغيير وهم يرون أوضاعهم تتدهور وهم منشغلون بملفات دولية عديدة يريد ترامب أن يخرجهم منها ويركز على الجبهة الداخلية تحت شعار "أميركا أولاً".
الإسرائيليون هللوا لفوز ترامب خلافاً لموقف يهود الولايات المتحدة الذين صوتت غالبيتهم لصالح مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، وربما يقود هذا الموقف إلى زيادة الهوة بين إسرائيل و يهود أميركا وهي قائمة عملياً بسبب التطرف الديني وتعظم دور التيار الأصولي في إسرائيل. والسبب الرئيس لتأييد ترامب يعود لتصريحات أطلقها بشأن نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس ونيته الاعتراف بالقدس الوحدة عاصمة لإسرائيل، واعتباره الاستيطان شرعياً وحديثه السلبي السابق عن ما يسميه "الإرهاب" الفلسطيني، وحرصه على ضمان أمن إسرائيل ومضاعفة المساعدات العسكرية لها. ولكن هناك من يعتقد أن من السابق لأوانه تبين نوايا ترامب ومواقفه الحقيقية من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، بل أن بعض المحللين الإسرائيليين رأوا في تصريحه الذي أطلقه بعد فوزه بأيام الذي يقول فيه أنه يريد وضع حد للحرب التي لا تنتهي بين الفلسطينيين وإسرائيل، وأنه سوف يعتمد "سياسة متوازنة"، وهو نفس المصلح الذي استخدمه الرئيس جيمي كارتر، مما يثير قلق أوساط اليمين الإسرائيلي الذي اعتقد أن ترامب سيساعد إسرائيل على التملص من الاستحقاقات السياسية المطلوبة منها دولياً، إلى درجة أن وزير التعليم نفتالي بينت قال أن انتخاب ترامب سيقضي على فكرة الدولة الفلسطينية. وهناك من يقول الآن أن إسرائيل هي من يجب أن يقلق من ترامب لأنه غير متوقع ويمكن أن يقدم على أي شيء وهو يقول الشيء ونقيضه. وأنه في نهاية المطاف لن يخرج عن السياق التقليدي للسياسة الأميركية تجاه ملف الصراع.
هناك طرفان في الواقع مستفيدان من فوز ترامب الأول هي مصر والرئيس عبد الفتاح السيسي تحديداً ونظام بشار الأسد وحليفته روسيا. فمصر تشعر بارتياح من موقف ترامب من الحركات الإسلامية وخاصة "الإخوان المسلمين" الذين يناصبهم العداء وبعض الخبراء يتوقعون أنه سيعتمد قانون اعتبار حركة "الإخوان" حركة إرهابية وهو عكس موقف إدارة أوباما والديمقراطيين وعلى رأسهم هيلاري كلينتون الذين يرون فيها حليف لهم وكانت لهم مشكلات مع النظام المصري والرئيس السيسي بعد إسقاط حكم "الإخوان المسلمين" والرئيس محمد مرسي في مصر، ولا تزال العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر متوترة، وتمارس الأولى ضغوطا على القاهرة وتستخدم المساعدات كوسيلة ضغط في هذا السياق. وهناك أقاويل ترجح أن يقوم ترامب بزيارة مصر في أقرب فرصة بعد دخوله إلى البيت الأبيض.
أما سورية فهذه قصة تغيير جوهري في السياسة الأميركية بعد تولي ترامب لمنصب رئيس الولايات المتحدة، فهو ضد الحركات الإسلامية التي تقاتل النظام في سورية بل هو في أحد تصريحاته يستنكر قيام بعض المجموعات بالحرب ضد الجيش السوري الذي يقاتل "داعش". ويوجد اعتقاد سائد في واشنطن أن ترامب سيعيد النظر في مشروع دعم الجيش الحر في سورية وأنه سيذهب نحو التعاون مع روسيا في الملف السوري، ويقلل من تدخل الولايات المتحدة وانغماسها في الحرب الدائرة هناك.
وفي أوروبا يسود قلق معين من ترامب الذي تحدث عن أوروبا بألفاظ غير ودية وهو يريد التركيز على علاقة أكثر مع أسيا والصين على وجه الحدود على أمل التفاهم معها لتقليص تمددها والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة. ولهذا السبب يجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لبحث تداعيات انتخاب ترامب على العلاقة بين أوروبا وأميركا. ولعل تصريح فيديريكا موغريني الممثل الأعلى لشؤون الأمن و السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي والتعبير عن استعدادها للذهاب فوراً إلى واشنطن للقاء ترامب والتباحث معه في العلاقة بين الجانبين ما يعبر عن خشية حقيقية من القادم الجديد.
ونحن علينا أن نقلق من ترامب، وإن كنا لا نعول كثيراً على السياسة الأميركية عموماً بعد فشل إدارة الرئيس باراك أوباما في إحداث أي تقدم ولو طفيف في العملية السياسية ، ولكن على الأقل كان موقف الإدارة لا يسمح لإسرائيل بالتمادي وكان يدين السلوك الإسرائيلي في مسألة الاستيطان، مما أدى إلى توتر بين أوباما ونتنياهو ساد حتى آخر لحظة في ولاية أوباما، ودفع نتنياهو لتأييد ترامب بصورة واضحة. والتخوف هو من أن تسحب الولايات المتحدة يدها من الملف وتتيح لإسرائيل الفرصة لتنفيذ مخططها الاستيطاني الذي يهدف إلى قتل فكرة التسوية القائمة على حل الدولتين كما يصرح بذلك اليمين الإسرائيلي في ظل حماية إسرائيل في مجلس الأمن والمنظمات الدولية.