تعرض الشعب الفلسطيني الى موجتين كبيرتين من اللجوء أولهما إبان نكبة 1948 التي ألمت بالمجتمع الفلسطيني حيث غادر ما نسبته 66% من سكان فلسطين حينذاك وثاني تلك الموجتين النزوح عام 1967 حيث شرد مئات الآلاف ايضا ، وفي الحالتين توزع الفلسطيني على عديد الدول ومنهم من قطن المخيمات ال 34 الموجودة في الاردن وسوريا ولبنان وجزء اخر ذهب الى أمكنة متعددة ليصنع نقطة انطلاق تمكنه من الثبات والعيش بكرامة . وحسب جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني يفوق عدد الفلسطينيين ال 12 مليونا اكثر من نصفهم موجودين خارج الوطن ينتشرون في اكثر من مائة دولة حول العالم ، ما زالوا يحملون معتقداتهم الذين يؤمنون بها ويدافعون من اجلها بل ويضحون بارواحهم لبقائها .
والشتات الفلسطيني بمكوناته قدم في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن المنصرم ثورة فلسطينيه قادة العمل الوطني في مواجهة الاحتلال ، ورسخ حالة الانسجام مع الجماهير في الوطن المحتل من خلال الارتباط المشترك وتثبيت رؤية ان لا مناص من التكامل بين الفلسطيني في الوطن وفي المهجر ، وتبلور ذلك حينما تفجرت الانتفاضة الاولى المباركة التي كانت حالة مشتركة بين القرار الفلسطيني في الخارج والحراك الميداني في الشارع الفلسطيني والذي بدوره أكد وحدانية المصير المشترك .
ومع وجود منظمة التحرير الفلسطنية التي جمعت في طياتها غالبية فصائل العمل الوطني الفلسطيني فلقد أصبحت حالة جامعه للكل الفلسطيني مشتتا كان او قابعا في وطنه فكانت مساحة رحبة لاستيعاب كل من يملك طاقة وقدرة في الأداء والسلوك سواء من خلال دوائرها او لجنتها التنفيذية او من بوابة البرلمان الفلسطيني الاوسع وهو المجلس الوطني الفلسطيني بما يعني ان دور الشتات الفلسطيني كان في ذروة عطائه وكانت المساحات شاسعه وهي التي تجمع العمل الشعبي والنقابي والسياسي والأكاديمي والنضالي ، فلولا قدرة الشتات الهائله لما كان هنالك ربما حالة الأداء الوطني العظيمة التي تجسدت عبر عشرات السنوات المنصرمة ، وللدلالة على محورية واهمية العمل الفلسطيني في الشتات فقد عملت دوما حكومات الاحتلال المتعاقبه على تهميش دور فلسطيني المهجر وتجلى ذلك حينما رفضت دولة الاحتلال ان يتمثل الوفد الفلسطيني المشارك في مؤتمر مدريد عام 1991 من فلسطيني الخارج ( منظمة التحرير ) وعملت دوما الى التقليل من تأثيرهم .
لقد بدأ دور الشتات بالاضمحلال حينما وقعت اتفاقية أوسلو وعادت قيادات الخارج والمؤسسات الى الوطن بما يعني انتقال الثقل الى الداخل بحيث أدى ذلك الى مركزية القرار جغرافيا وديمغرافيا حيث بات المجلس التشريعي ( البرلمان ) يمثل فلسطيني الضفة وغزة ، والمشاركة بالعملية الانتخابيه تم استثناء فلسطيني الشتات منها وكان من شأن ذلك ان يؤدي الى تهميش دور المجلس الوطني الذي لم ينعقد لأكثر من 20 عاما وحلت الحكومة بوزاراتها بديلا لدوائر منظمة التحرير الفلسطينيه التي باتت فارغة من محتواها الحقيقي وأدائها صار شكليا غير مؤثر .
وحتى على مستوى فصائل العمل الفلسطيني كذلك تم تهميش دور الخارج الفلسطيني بشكل ملحوظ ففي مؤتمر حركة فتح السابع تم مشاركة 128 عضوا من ساحات الشتات مقابل 1372 عضوا من الداخل ، وكان نصيب الشتات مقعدا يتيما في اللجنه المركزية وأقل من عشرة مقاعد في المجلس الثوري ، وهذا يفضي الى اختلال واضح في المحاصصة العادلة اذا جاز لي التعبير .
ان فلسطيني الشتات بتنوعهم ما بين أكاديمين واقتصاديين ونشطاء عمل نقابي ومناضلين يعيشون حالة ابتعاد عن المشاركة في صناعة القرار الشعبي والنضالي والوطني وحتى السياسي الفلسطيني وهم يشكلون نصف الشعب الفلسطيني والذين لا يستطيعون ممارسة مواطنتهم قصرا ، من هنا فان فقدان صيغة التكامل بين الطرفين الخارج والداخل أقحمنا في فراغ واضح وجعل النخب في الشتات تؤدي منفردة دون وجود غطاء حقيقي يشير الى قواعد وثوابت محددة حتى لا تضيع البوصلة ، بل ان ذلك الفراغ جعل فئة كبيرة يتوجهون الى تشكيل اطارا أسموه شعبيا يحافظ على تراكمات وانجازات ابن الشتات بعيدا عن المؤسسات الشرعية الفلسطينيه ( منظمة التحرير ) وربما قد يفضي ذلك الى خلق منبرا موازيا للمنبر الشرعي والوحيد وهذا ما نتخوف منه بل ونرفضه جملة وتفصيلا .
ان قصور الأداء والتوجه نحو فلسطيني الشتات ربما يخلق بلبلة نحن في غنى عنها وربما يعطل المساعي للتوحد المنشود بل ومن الممكن ان ينتقل الصراع بين الفصائل الى صراعا بين مكونات الشتات الفلسطيني التي لن يحمد عقباها ،
من هنا فإن القضيه الفلسطينيه قضية ارض سلبت وانسان طرد من وطنه ، واستثناء هذا الانسان او تهميش دوره يعني نقصا في منظومة التحرر ، لذلك من الواجب العمل على استعادة استيعاب الشرائح النخبوية لتندمج في الأُطر الشرعية من خلال إطلاق استراتيجية وطنية تعمل على تفعيل دورهم وتأطيره وبالتالي الوصول الى مأسسة نحن بحاجة اليها ، والتي ستفضي الى خلق حالة اخرى من حالات النضال الوطني الفلسطيني تكون سندا وعونا للحالات الاخرى الموجودة .
ما أودّ ان اطرحه في هذه الورقة هو الحذر ثم الحذر من تقزيم ادوار ابناء الشتات فهم مؤثرين في مواقع تواجدهم وحساسيتهم الوطنية في اعلى دراجاتها ، وامكانياتهم مهولة ورؤيتهم عميقة ، نعم نحتاج الى مبادارات عملية من خلال الأُطر الشرعيه لتفعيل دور الشتات المعطاء ، محذرين مرة اخرى من فقدان ورقة الشتات اذ ان الكون لا يقبل الفراغ ، والإمعان دوما في تحويل الأنظار عن الخارج الفلسطيني لن يؤدي الا الى خلق توتر دائم ربما سيتحول الى موجات من الغضب تفكك اللحمة الوطنية ، اعيروا هذا الملف الاهتمام الأكبر فنحن في مركب واحد والمصير واحد .