كلام في غير مكانه وزمانه

صادق الشافعي
حجم الخط

الكلام هو ما قاله الدكتور رمضان شلّح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في مؤتمر التضامن مع الانتفاضة المنعقد في طهران أواسط الشهر الماضي.
في خطابه بالمؤتمر وبنبرة خطابية جهورية قال الدكتور شلّح «الانتفاضة محاصرة ومطاردة، ليس من الاحتلال فحسب، لكن من السلطة الفلسطينية أيضاً»، ومضيفاً «إن السلطة حارسة لأمن إسرائيل وسياستها الاستيطانية» المكان، غير مناسب لهذا القول.
فقد قيل في مؤتمر معقود حصراً للتضامن مع فكرة انتفاضة  الشعب الفلسطيني، وبشكل عام لدعم نضاله الوطني ضد الاحتلال وسياساته ومن أجل استعادة حقوقه الوطنية والتاريخية المشروعة. والمؤتمر يرمي في سبيل ذلك الى تحشيد الدعم والتأييد بين المشاركين بالمؤتمر ومن يمثلونهم وبين جماهير بلدانهم بشكل عام.
 وهذا ما يستدعي ويفرض على الأطراف الفلسطينية المشاركة فيه التركيز على المطالب الوطنية الفلسطينية من جهة، وعلى فضح دولة الاحتلال واستمرار احتلالها وسياساتها التوسعية والقمعية من جهة أُخرى.
اذن، المؤتمر ليس هو المكان المناسب لنقد أو بالأحرى اتهام السلطة الفلسطينية بتهم من حجم اتهامات الدكتور شلح ( مع رجاء أن يكون إسقاط الوطنية من اسم السلطة، في المقتطفين المذكورين، مجرد قضية صياغية).
ببساطة، لأن مثل هذا المؤتمر ليس من طبيعته ولا من أهدافه او مهماته مناقشة هذه الاتهامات وصحتها ودرجة دقتها ولا اتخاذ موقف تجاهها.
وهذا ما يعطي المجال للبعض بالتقوّل على خلفية ودوافع هذا الطرح واستهدافاته في المناسبة المعينة، وفي المكان المعين أيضاً، وإعطائها تفسيرات مختلفة.
إن البيت الفلسطيني وأطره القائمة هو المكان الطبيعي لطرح هذه الاتهامات، ومناقشة صحتها ومعالجتها، أو اتخاذ الموقف أو القرار المناسب حيالها.
وإذا لزم الأمر، ولم  تقم أُطر البيت الفلسطيني بهذه المهمة أو لم تكن أوضاعها تمكنها القيام بها، فإن خيار اللجوء إلى الجماهير الفلسطينية ومخاطبتها وتحريضها وحشدها لجانب هذه الاتهامات، يبقى هو الخيار الطبيعي، ويبقى خياراً متاحاً دائماً.
وفي الحقيقة فإن الدكتور شلّح لجأ الى هذا الخيار حين طرح، في العلن وعبر وسائل الإعلام، مبادرته «لإنهاء الانهيار والمساهمة في الخروج من المأزق الفلسطيني».
فقد جاء في النقطة الخامسة للمبادرة «... وتنهي حالة الصدام القائمة بين برنامجين أحدهما متمسك بالمقاومة ورافض للاحتلال، والآخر يجرّم المقاومة ويلاحقها بالشراكة مع الاحتلال والتنسيق الأمني». وجاء في نقطتها التاسعة «... إن أخذ زمام المبادرة على هذا الصعيد يتطلب التحرر من حالة الاستسلام للإدارة الأميركية والمشيئة الإسرائيلية».
لكن الحقيقة أيضاً، أن الدكتور شلح وحركته «الجهاد الإسلامي» لم ينجحوا في تقديم البراهين الواقعية والمحددة الكافية لتحويل هذه الاتهامات إلى قناعة عامة، والى قضية جماهيرية ضاغطة لها تعبيراتها الشعبية الواضحة وعناوينها المحددة.
 وإذا كان ممكناً استبعاد سوء النية والقصد وراء ما قاله الدكتور شلّح، فإنه لا يمكن فهم موقف حركة حماس التي أعلنت بتصريح مختصر فج وغير مشروح، اتفاقها مع ما جاء في خطاب الدكتور شلّح بشأن دور السلطة الفلسطينية  في منع المقاومة، وكأن موقفها الجاهز التزم بمنطق انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. مع أن الدكتور شلّح فيما قال ليس مظلوماً ولا هو بظالم لنفسه كما هو التفسير لهذا الحديث الشريف. وكان الأفضل لو توجه موقف «حماس» نحو محاصرة الموضوع وتأثيراته وردود الفعل حوله كما كان موقف تنظيمات أُخرى.
كان الأفضل كثيراً، لو جاء الرد والتوضيح على كلام الدكتور شلّح من السلطة الوطنية الفلسطينية، ومن اللجنة التنفيذية للمنظمة بالتحديد.
لو جاء الرد كذلك، فإنه لا بد سيكون بلغة الوطنية والسياسة والمسؤولية، ومن موقع الطرف المسؤول المعني والمؤهل للرد على الاتهامات وتفنيدها بشكل معلوماتي وواقعي.
ذلك كان أفضل، بالمنطق والمسؤولية الوطنيين، من الرد الانفعالي والاتهامي، ثقيل العيار، المنسوب الى مسؤول باسم حركة فتح «أن هذه التصريحات تعبر عن سقوط سياسي وأخلاقي غير مبرر وتهدف الى تقديم الولاء لطهران على حساب القضية الفلسطينية».
الزمان لا يحتمل هذا الزيت الإضافي يُصب فوق نار الوضع الفلسطيني شديد الصعوبة والتعقيد.
مؤلم جداً أن يحدث هذا الأمر في وقت تشتد الهجمة الاحتلالية العدوانية بسفور وصفاقة غير مسبوقتين، مستقوية بوصول الرئيس ترامب الى البيت الأبيض وسياسة الانحياز المعلنة لدولة الاحتلال، وبحالة التردي غير المسبوق في الوضع العربي. ومستفيدة أيضاً من حال الانقسام الفلسطيني وتعمق مساره وتسارعه وامتداده الى ميادين جديدة.
يحدث هذا الأمر في وقت تصل الى السفور الكامل، خطط ونوايا العدو المحتل باستمرار وتوسع احتلاله، وتغوُّل استيطانه الى حدود مفتوحة على كامل المدى الواسع، وشطبه التام والعلني المتحدي لأي شكل من الكيانية الفلسطينية مهما كانت ممسوخة.
ويحدث في وقت تفرض الضرورة القصوى تعالي الكل الفلسطيني على كل خلاف واختلاف، والتنادي الى لقاء عام يقوم على قواعد وحدة النضال وأهدافه ووحدة النظام السياسي، يضم كل مكونات الشعب الفلسطيني في جميع مناطق تواجده من سلطة وتنظيمات وقوى مجتمع مدني وشخصيات عامة وأكاديمية ونقابية. يبحث اللقاء بالتفصيل كل عناوين النظام الفلسطيني العام بلا استثناء، وطرائق المواجهة وتعبيراتها المتنوعة، ولا ينفض إلا بعد خروج دخان الاتفاق الأبيض على كل شيء، حتى على تجميد خلافات ليست جوهرية وتأجيلها.