محنة شعبنا ومأزقه

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

مع اقتراب لحظة العودة الى القاهرة، للبت فيما يريده الجانب المصري لإنهاء مأزق النظام الفلسطيني؛ بدأت التصريحات والاشتراطات التي تستبق اللقاء مع المصريين. وبالطبع، عندما يكون المتحدث بلسان السلطة، عزام الأحمد، فإن النطق يكون منكشف المقاصد، ركيكاً ومثيراً للسخرية واستعلائياً، وكأن هذا المتحدث، يتحرك من خلفية نظام سياسي مُحكم، استكمل مؤسساته الدستورية وكرّس القانون والتزم محددات النظام الأساسي، ووسع هوامش حرية التعبير، وأعاد المؤسسة الأمنية الفلسطينية الى صحيح مسارها ونهجها، وظل يحرس التظاهرات الشعبية الاحتجاجية باحترام وبأذان صاغية. أما حماس، التي تزحف بسرعة السلاحف الى بحيرة الفهم السياسي ولا تعرف ماذا تتحدث ما خلا الحديث عن مقتضيات سلامتها واستدرارها للمال، واستمرار قدرتها على التمكن من قطاع غزة؛ فهي أعجز من أن تسأل عزام الأحمد، عندما يطالب بتمكين الحكومة ماذا عندك وعند حكومتك لكي تتمكن؟ هل لديك تأييد شعبي، أو مؤسسة للتشريع والرقابة أو منظومة قضائية مستقلة ومحايدة أو مآثر أسعدت الجماهير الفلسطينية أو نجاحات على طريق التسوية أو أية مروءة على أي صعيد؟ فحماس أعجز من ان تسأل أو تشترط على مستوى سلوك الحكم، ليس بسبب ضآلتها في ثقافة الدولة، وإنما لكونها تفعل كل ما تفعله السلطة في رام الله، وكأنها أدمنت هذه الأفاعيل، وبات صعباً عليها أن تكف عنها حتى لو هي رغبت في الإقلاع عنها، أو رغب معظمها في الشفاء من طبائعها. فعلى الأقل، لم تركز حماس على طلب بدء عملية التصالح، بالعودة الى المؤسسة التشريعية بعد إحيائها، على أن يكون التوافق على المراحل الإجرائية بتغطية منها، وكذلك المصادقة على حكومة انتقالية توافقية تنال ثقة ممثلي الشعب. إن مثل هذا التركيز لا يخطر في ذهنها، لأن الطرفين حتى الآن، يجافيان الطريق الدستورية مثلما يجافي العليل الدواء، بل إن لدى كلٍ منهما مشروعه القهري، الى الأبد، كالمشروع الأسدي، حتى لو تحالف مع الشيطان وسلم البلاد له. فلا تعيران اهتماماً لعنضر الرضا الشعبي الذي هو شرط قيام الدولة المستقلة أو النظام السياسي الرصين!

عزام الأحمد، بخفته المعهودة التي يغذيها إعجابه بنفسه وبدوره وهو يتكلف الخزينة العامة عشرات ألوف الدولارات شهرياً؛ بدأ التمحك بالتكتيكات المعلومة، لتنفيذ موقف عباس السلبي من المصالحة أصلاً وفرعا، وانقسم خط مقارباته الى قسمين، الأول دحض بعض ما جاء في الصيغة المنشورة لنص المقترحات المصرية، بتناول بنودها واحدا واحدا،  لكي يحدد ما هو الزائد منها والناقص، والثاني تقديم عنصر التمكين للحكومة، دون أن يسأل نفسه أو أن تسأله حماس، تمكين من بالضبط؟ هل هو التمكين لحكومة أنتجتها المؤسسات الدستورية أم تمكين القبضة الأمنية أم تمكين سياسات إقصاء الناس وتجويعها؟!

نحن مع التمكين الحميد لا التمكين الخبيث، وضد أن يتمكن رعاة الفراغ والخراب من الطرفين. فما بين الطرفين والشعب الفلسطيني، هو العقد الاجتماعي الذي يقوم عليه الكيان السياسي بحيثياته القانونية. من هنا نبدأ، وإن لم نبدأ من هنا، ستكون مشروعات المصالحة عُثاراً عند الخطوة الأولى. أما قلم التاريخ، فإنه سيكتب أن سلطتي رام الله وغزة، ضعيتا الكيان الفلسطيني، وأجهزتا على أمنيات الشعب، بعد أن قيدتا المجتمع الفلسطيني في الضفة وغزة، وهنا، تكمن محنة شعبنا ويكمن مأزقه.