أثّر التقدم التكنولوجي والتطور في مواقع التواصل الاجتماعي على حساب الترابط الأسري في المجتمع، سلباً أكثر منه إيجاباً على طبيعة الحياة الأسرية، فكل ما يزيد عن حده يقلب لضده "وفق المثل الشعبي الشهير"
ولا تكاد تخلو أسرة من وجود الهواتف الذكية والحواسيب الخفيفة بأيدي الصغير والكبير، إما لحاجة علمية أو لمواكبة التطور الحاصل في العالم لا أكثر.
تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل "فيس بوك، انستجرام، تيك توك، سناب شات" وغيرها من التطبيقات، أصبحت تُشكل قلقاً متزايداً لدى الأهل على أبنائهم الذين يحملون الهواتف الذكية، خصوصاً مع ظهور تطبيق التيك توك "الصيني" أكثر التطبيقات خطراً على الكبار والصغار، فلا قيود على ما يُعرض عليه، حيث يَسمح "تيك توك" للمستخدمين بصناعة مقاطع فيديو قصيرة لا تتعدى 15 ثانية. مع إمكانية مشاركتها على التطبيق نفسه للأصدقاء والمتابعين على المنصة، كما يُتيح المشاركة على باقي الشبكات الاجتماعية الأخرى أيضاً.
وعلى الرغم من تقييمه بأنّه مناسب لمن يبلغ "12 عاماً" فما فوق لكِن التطبيق لا يعمل على التأكد من عمر المستخدم، بالإضافة إلى أنّه غير مناسب للأطفال لأنّه غير خاضع للرقابة بسبب كثرة الشتائم والسب والقذف والمقاطع الخليعة والغير ملائمة، كما أنّه يضم محتوى متجدد ولا متناهي مما يجعل الأطفال والمراهقين يستخدمونه لساعات طويلة في مشاهدة مقاطع الفيديو الجذابة ومتابعة المشاهير والأصدقاء والمتابعين والتفاعل معهم، ومع انعدام الرقابة الأسرية يؤدي هذا إلى تقصيرهم في التعليم وأداء الواجبات المدرسية، كما أنّه يؤدي في النهاية إلى العزلة الاجتماعية.
ومع ذلك ورغم كل المخاطر التي عرضناها في بداية التقرير، إلا أنَّ الإقبال عليه من قِبل الكبار والصغار بشكلٍ مخيف ومقلق، حيث استطلعت وكالة "خبر" آراء الناس حول هذا التطبيق وغيره من تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي وإدمان الهواتف واستخدامها بشكل مقلق والتي جاءت على النحو التالي.
سائدة حمد طالبة جامعية، لفتت انتباهنا منذ اللحظة الأولى وهي تسير على الطريق دون أنّ تلتفت لما حولها، حتى أنّها كادت أنّ تصطدم بالمركبة لولا صراخ السائق عليها وهو يُلقي بعبارات الغضب ويأمرها بأنّ تنظر أمامها، بسؤالنا لها عن الشيء الذي يُمكن أنّ يجعلها لا تنتبه لمن هم حولها، ابتسمت بابتسامة يشوبها نوع من الخجل بعد ما حدث معها، وقالت: "شدني فيديو على الفيس بوك كنت أتابعه وأنا بالسيارة وحين نزلت منها أكملته، ومن شدة انتباهي له نسيت أنّني أسير بالشارع وحدث ما حدث لي من موقف محرج".
وعن مدى تعلقها بهاتفها وبتطبيقات السوشال ميديا، أوضحت: "بما أنني في المرحلة الجامعية فوجود الهاتف ضروري جداً لمراجعة المحاضرات والدروس عبر المجموعات أو بيني وبين صديقاتي، ونستعين أحياناً بالبرامج الأخرى التي تُساعدنا على فهم المواد التي لم نستطع فهمها من المُدرس، بالإضافة إلى أنّه المتنفس الوحيد لنا نحن كفتيات، فمن المعلوم أنّه لا يسمح للفتاة في غزّة بالخروج من المنزل في أيّ وقتٍ مثل الرجل، فوجود الهواتف الذكية بيدها هو متنفسها، ويجعلها منفتحة ومطلعة على الثقافات الأخرى في العالم".
"احنا وين كنا ووين صرنا..!!"
"أبو نائل" رجلٌ ستيني يجلس بجوار إحدى المحال التجارية بمدينة غزّة، سألناه عما إذا كان موافق على وجود الهواتف بيد الشباب والأطفال، فقال: "لا طبعاً، خراب ديار الجوالات بايدين أولادنا، احنا وين كنا ووين صرنا، بتكون قاعد مع أولادك يوم الجمعة "يوم عطلة الجميع" وكل واحد ملزق وجهو في جوالو وكأنه مش موجود، تعال احكي معه بس بيهز راسه، الجوالات دمرت جيل كامل، حتى النسوان بطلت الوحدة فيهم تعمل شغل بيتها زي الخلق، بتلاقيها عفشة وريحة بيتها طالعة وبتقوم قال تعمل حلويات وهاتك يا تصوير مشان تغيظ فيها النسوان الثانيات".
وأكمل: "والله يا بنتي أنا ابني طلق مرته من ورا الجوال، ومرتي إذا بدي أعرف إنها هتضلها طول الوقت قاعدالي عالفيسبوك والجوال، لأطلقها!".
مُعدة التقرير قاطعت السيد أبو نائل في حديثه، حينما شاهدت كمية الغضب الذي يتطاير من عينيه، حيث سألته عن رأيه بهذا الموضوع، لمحاولة التخفيف من حدة حديثه فسألته من باب المزاح عن نوع هاتفه، فأخرج من جيبه هاتفاً من نوع "كشاف" وقال: "هاد بقول ألو ولا لا؟!، يعني بنحمله للضرورة مش مهم أخليه طول الوقت حابسني جواته".
جيلنا يختلف عن الجيل السابق
"الشاب رفعت الطناني" الذي كان على مقربة من السيد أبو نائل أثناء حديثه، وكان طوال ذلك الوقت مبتسماً ويتمتم ببعض الكلمات الغير مفهومة، وبسؤاله عن رأيه ففي الموضوع، قال: "أنا أحترم رأي أبو نائل ولكن أنا كشاب جيلي يختلف عن جيله، الزمن تغير والحياة أيضاً، أصبح الهاتف ضرورياً في حياتنا، وفي حالة الملل التي نعيشها نجد في الهاتف متنفساً عما يجول في العالم من أحداث وتبادل ثقافات".
وعن رأيه في تطبيقات السوشال ميديا، كالتيك توك والفيسبوك، قال: "من أشد المعجبين به ولا أستغني عن الفيسبوك، خصوصاً هو المجتمع المحلي والعالمي الكبير الذي يربطنا بأهلنا في كل مكان ونتعرف منه على أخبارهم، لولاه لما استطعنا معرفة أناس جدد ومجتمعات أخرى خارج أسوار غزة".
ولأنَّ موضوعنا كان منصباً قليلاً على برنامج "التيك توك" كان لابد من معرفة رأي الفئة الأكثر استخداماً له، ألا وهي فئة المراهقين الصغار، وهنا محمد ذو الـ15 ربيعاً، يقول: "أنا أعشق برنامج التيك توك، يُعلمني أشياء كثيرة وأتعرف منه على أصدقاء جدد من خلال اللايفات المباشرة، نلعب ونجني أرباحاً، أساعد بها أهلي".
وصفحة "محمد" واحدة من آلاف الصفحات النشطة على التيك توك وله متابعين كُثر من كل بلدان العالم، ويسعى للنجومية والشهرة، وقد نشر من خلالها عشرات الفيديوهات العفوية اليومية، والتي تُبين كيف يقضي الشاب الغزّي حياته اليومية بطريقة خفيفة وبسيطة، وقال: "أنا أستمتع بما أصوره للعالم، وأستطيع أنّ أوفق بين مدرستي وحياتي وعملي علي التيك توك ، بالبداية كان هناك اعتراض من والدي وطلب مني حذف تطبيق التيك توك، لكِم بعد محاولات كثيرة معه استطعت إقناعه بأنني أعلم مخاطر هذا التطبيق وأنّه ليس كل شيء نستطيع أن نراه أو نسمعه وأن هناك صور ومشاهد بعيدة كل البعد عن مجتمعنا الفلسطيني المحافظ وديننا، وبأنني أعي ذلك جيداً".
المختصون يحذرون
الأخصائية التربوية، جميلة قويدر، تحدثت أيضاً عن أضرار الهاتف ومواقع التواصل الاجتماعي على الفرد والمجتمع، فقالت: "إنَّ مواقع السوشال ميديا تُسبب أضراراً على مستخدميها من الأطفال والمراهقين، مثل قلة الاستيعاب والتركيز، والميل للعزلة، وإدمان التواجد على هذه المواقع، وفقدان مهارات الكتابة، وإعاقة التواصل مع العالم الحقيقي، وانتشار الآراء الخاطئة أحياناً التي تؤثر بالسلب على تكوين عقليته".
ودعت قويدر، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر"، الآباء والأهالي إلى عدم السماح لأطفالهم بالتواجد على مواقع التواصل قبل عمر الثالثة عشر.
وتابعت: "عند بلوغ الطفل السن المناسب للتواجد يجب متابعتهم ومعرفة ما يشاهدونه وما يتابعون، مع وضع عدد ساعات معين للتواجد على هذه المواقع حتى لا تُصبح إدماناً لديهم مع إلزام الطفل بقضاء وقت خاص مع عائلته دون أجهزة الهاتف ومواقع التواصل، مع توعيته بما قد يواجهه أثناء تعامله مع تلك الصفحات".
وختمت قويدر حديثها، بالقول: "لا يمكننا أنّ نُجبر الآخرين على عدم استخدام الهاتف، لأنّه أصبح ضرورة حتمية، لكِن الاستخدام المفرط له دون حسيب أو رقيب وعدم متابعة الأهالي لأبنائهم، وأيضاً مراقبة ذاتية للكبار على أنفسهم، فإنّه سيُصبح ضاراً على الفرد والمجتمع".
وكالة "خبر" رصدت أيضاً آراء المشتركين أنفسهم عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، في المحتوى الذي يجب أنّ يظهر عبر تلك المواقع والمحتوى الغير ضروري بالإضافة إلى سلبيات هذه المواقع على الحياة الأسرية والمجتمعية وكانت، كالتالي: